اجتماع أهل الحل والعقد في الدوحة
اجتماع أهل الحل والعقد في الدوحةاجتماع أهل الحل والعقد في الدوحة

اجتماع أهل الحل والعقد في الدوحة

تاج الدين عبد الحق

اجتماع الدوحة الذي عقد مؤخرا، جمع أصحاب الحل والعقد في الأزمة السورية وغيرها من أزمات الإقليم. وحتى من غاب بشخصه عن الاجتماع كان حاضرا كدور خلف الكواليس، أو كموقف على طاولة الحوار.

وعلى خلاف ما أثاره الاجتماع من تكهنات وتحليلات، فإن الدوحة لم تكن هي المنطلق، لما يعتبره المتابعون نقلة في مسار الجهود السياسية للحل، بل محطة من محطاته. فهي كانت إما مسبوقة باتصالات أو متبوعة بلقاءات وتفاهمات.

والمستوى الرفيع للمشاركين، لا يعني نضوج الحل بقدر ما يعكس صعوبته، والحضور الكثيف لا يعني الانفراج، بل يؤكد  تشابك المواقف، وتقاطع المصالح. والتفاؤل الذي ساد بعض الأوساط عشية الاجتماع أو بعد انتهائه بشأن امكانيات الحل، لا يستند إلى معطيات ونتائج محددة، بقدر ما يربط بين وقائع واستنتاجات.

أهم هذه الوقائع، تمثلت في الحالة السياسية التي أشاعها الاتفاق النووي مع إيران. واعتباره مقدمة لحالة جديدة وبداية مرحلة مختلفة، تتباين المواقف في توصيفها، وتحديد ملامحها.

ومع أن الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية، تتجنب الربط بين موقفها من الاتفاق النووي وبين أزمات الإقليم، وتعبر عن ذلك من خلال التمسك الظاهر، بمواقفها السابقة، وتحالفاتها القديمة، إلا أنها تدرك أن الاتفاق بين طهران والغرب لا بد أن تكون له ارتدادات وتداعيات تغير الحسابات وتخلخل التوازنات.

ولذلك فإن تلك الأطراف بدأت مبكرا في اتصالات ومشاورات خرج بعضها عن السياق التقليدي الذي سارت عليه منذ اندلاع الأزمة السورية وإلى الآن. فإلى جانب الاتصالات والمشاورات المعروفة، تداول البعض حديثا عن "حلف مستحيل" يتجاهل الخلافات السياسية العميقة، والثارات المتراكمة، ليضم سوريا وتركيا والأردن والسعودية بعنوان واحد، وهدف عريض هو محاربة الإرهاب.

ومع أنه لم تتوفر أي معطيات تدعم فكرة الحلف المشار إليه، إلا أن الأنباء تواترت عن اتصالات سعودية سورية برعاية روسية، أبرزها حديث عن اختراق كبير في جدار الخلاف بين الرياض ودمشق، تمثل في الزيارة السرية التي قام بها رئيس الاستخبارات السورية، علي المملوك للرياض، والتي قيل إنها كانت ثمرة الزيارة التي قام بها ولي ولي العهد السعودي لموسكو الشهر الماضي.

كذلك دخلت تركيا على خط الأزمة السورية، لا كمراقب من بعيد بل كشريك في المواجهة وطرف مباشر في المعادلة، من خلال المشاركة بشكل مباشر في الضربات الجوية على تنظيم داعش، وهو ما يعني انتقال تركيا من خانة المتهمين بصنع تنظيم داعش والتواطوء معه، إلى خانة من يحاربونه ويسعون لتصفية وجوده أومحاصرة تمدده.

الوضع في اليمن هو الآخر موضوع على طاولة الحل وسط تصاعد الحديث عن قبول الحوثيين بفكرة الانسحاب من المدن والعودة للحوار على أساس المبادرة الخليجية، وغيرها من النقاط التي رفضوها في جينيف وما قبلها.

اجتماعات الدوحة، شكلت بالمنظور السياسي وحدة واحدة، فرغم أنها ضمت مستويات مختلفة من اللقاءات، إلا أن وحدة الزمان والمكان جعلت منها اجتماعا واحدا بمسميات مختلفة، وأهداف متباينة، يجمعها عنوان عريض واحد هو حلحلة الأوضاع الإقليمية.

وتحت هذا العنوان سعت دول الخليج في لقائها مع وزير الخارجية الأمريكي إلى الحصول على تطمينات تتجاوزالنصوص المباشرة الواردة في الاتفاق النووي. ذلك أن دول المنطقة تدرك أن الاتفاق يحرر إيران من الضغوط  والعقوبات الدولية، وهو ما يعزز قدرتها على التحرك في الإقليم بشكل أكثر مرونة، وأكثر شراهة، خاصة مع رفع العقوبات الاقتصادية التي جددت طاقة طهران التوسعية وأمدتها بموارد مالية، وغطاء سياسي.

والولايات المتحدة جاءت إلى الدوحة وهي تدرك أنها لا تستطيع تهدئة الهواجس الخليجية، إلا من خلال حزمة متكاملة من التطمينات، يشكل حل الأزمات الإقليمية جزءا رئيسيا فيها. ولذلك فإن مقاربتها للحلول الإقليمية، جاءت كتأكيد بأن دول الخليج لن تدفع ثمنا للاتفاق النووي، وأن هذا الاتفاق لا يعني إعطاء طهران صكا يعزز دورها في الإقليم، أو يوسع  تحالفاتها القديمة فيه.

روسيا من جانبها تجد في الجو الذي أشاعه الاتفاق النووي فرصة للخروج من العزلة السياسية، واحتواء الأزمة الاقتصادية التي حاول الغرب وضعها فيها بسبب القضية الأوكرانية، وهي عندما تشارك في الجهود لحل أزمات الإقليم تدرك أن لديها فرصا لا لقطف ثمار عاجلة بل اعتراف طويل المدى بمشروعية طموحها للعب دور دولي.

وأيا كانت أهداف الفرقاء في اجتماعات الدوحة، أو من راقبها من الخارج، فإن من المؤكد أنها خلقت ديناميكية جديدة للجهود المبذولة لحلحلة المشاكل الإقليمية، خاصة مع تزايد القناعة بأن المواجهات العسكرية بكافة أشكالها استنفدت أغراضها ولم تعد قادرة على تحقيق أي نتائج سياسية أو خلق معادلات جديدة في الإقليم.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com