في ملف المصالحة الخليجية.. مَن سيعزل مَن؟
في ملف المصالحة الخليجية.. مَن سيعزل مَن؟في ملف المصالحة الخليجية.. مَن سيعزل مَن؟

في ملف المصالحة الخليجية.. مَن سيعزل مَن؟

تاج الدين عبد الحق

في الحديث عن المصالحة الخليجية، يتداول البعض تحليلًا عن إستراتيجية قطرية لعزل الإمارات، من خلال إبداء مرونة في الموقف إزاء السعودية، مع الاستمرار في الخطاب السياسي والإعلامي التحريضي ضد الإمارات.

وفضلًا عن أن مثل هذا التحليل يَنم عن سذاجة في فهم أسباب الخلاف وتداعياته، فإنه يكشف عن أن النوايا لا تزال غير صافية، وأن ما يظهر في المواقف من مرونة وتغيرات، ليس أكثر من مناورات سياسية، هدفها إحداث شرخ في جدار المقاطعة، ومحاولة الاستفراد بأطراف المقاطعة، وصولًا إلى تقزيم المطالب المعلنة لهذه الأطراف، وشَرذَمتها، والالتفاف عليها.

ومناقشة موضوعية لهكذا محاولة، لا بد أن تصطدم بحقيقة مكان ومكانة السعودية في كل مراحل الخلاف والمقاطعة وفيما تم صياغته من شروط لإنهائها، وما تم التوافق عليه بين دول المقاطعة طوال الفترة الماضية، كما أنها تعبّر عن فهم خاطئ لما وصلت إليه العلاقات بين الرياض وأبوظبي خصوصا، ودول المقاطعة عموما.

فالسعودية ليست طرفا هامشيًّا يمكن استدراجه إلى شكل من أشكال الاسترضاء السياسي، غير متناسب، مع مكانة ودور الرياض المحوري والرئيس، في تشكيل ائتلاف المقاطعة، أو حتى عزل مواقفها عن مواقف شركائها من خلال تحديد شروط خاصة للمصالحة معها، وأسلوب مختلف لاحتواء ما لديها من مخاوف وشكوك.

كما أن هذه المحاولة لا تتناسب مع عمق العلاقة التي تربط المملكة، بشركائها الآخرين في فريق المقاطعة، وهي علاقة لا يمكن للرياض المقامرة بها، أو الرهان عليها بالنظر لشبكة القواسم المشتركة التي تربطها بأولئك الشركاء، والتي تتجاوز في أبعادها، كل ما يمكن أن ينتج عن مصالحة ثنائية تأملها قطر، أو تسعى إليها.

هذه المحاولة تفترض أيضًا، أن هناك أجنداتٍ مختلفة لدول المقاطعة، وأن مضمون المقاطعة لا يعبر عن هموم ومطالب حقيقية، وأن ما يجمع هذه الدول في إطار واحد، لا يعدو أن يكون نوعًا من التضامن، أو حتى الكيد السياسي.

وحتى لو افترضنا أن السعودية تعمل بمبادرة ذاتية على إنجاز مصالحة خليجية، فإن هذه المحاولة السعودية يمكن فهمها من خلال أبعاد ثلاثة:

فهي أولًا تتحرك بحكم ما تمثله من ثقل سياسي ودور إقليمي، وهي بهذا المعنى، قادرة على أن تشكل مظلة كافية، أو منطلقًا مقبولًا، لأي حوار أو مساع لإنجاز المصالحة المأمولة.

لكن قيامها بهذا الدور لا يعني -بالطبع- إلغاء أو تهميش رؤى شركائها، بل قد يشكل ذلك نوعًا من التكتيك، الذي يساعد في تصليب الموقف التفاوضي السعودي ورفع سقف ما هو مطلوب لأي اتفاق من جهة، ويُبقي –من جهة ثانية- على خط الرجعة، إذا تبينت الرياض أن مساعي المصالحة وشروط الوساطة، ليست أكثر من محاولة لتشويه مواقف دول المقاطعة، والتحايل على الاستجابة لمطالبها وشروطها، والعمل على تفتيت مواقفها.

الأمر الثاني أن جهود المصالحة تتزامن مع انعقاد القمة الخليجية في الرياض؛ ما قد يوفر فرصة، ومَخرجا يمكن من خلاله إعادة صياغة العمل الخليجي على أساس قواعد عمل جديدة ومختلفة عن كل ما كانت عليه طوال الفترة الماضية.

أما الأمر الثالث فهو أن المناخ الإقليمي الذي أنتج عداء قَطريا تجاه دول المقاطعة، هو في حال تبدل وتغيير؛ ما يشكل فرصة سانحة يمكن من خلالها إقناع الدوحة بعدم جدوى المكابرة، وبالموافقة على الشروط، والبنود التي امتنعت عن الموافقة عليها طوال السنوات الثلاث الماضية.

فما تكبدته قطر من خسائر على مستوى الكلفة المادية، أو على صعيد العزلة السياسية، أوجد تفهما إقليميًّا ودوليًّا متزايدًا للمقاطعة الخليجية والعربية، تمثل في تزايد الإدانة لما تقدمه قطر من دعم، واحتضان لقوى الإسلام السياسي، وتحديدًا لجماعة الإخوان، ورفضًا متناميًا لاستمرارها في مسلسل التحريض الإعلامي.

هذا التفهم قد يردع القطريين ويدفعهم للقبول، بمراجعة كل مواقفهم السياسية السابقة وخطابهم الإعلامي الحالي، بشكل يمهد لمصالحة ناضجة وحقيقية.

لكن ما يتصاعد من دخان -حتى الآن- من المساعي الحميدة، والوساطات الجارية حاليا، لا يسمح بالقول إننا على أعتاب مصالحة، ولا يمكن أن يوفر معطيات كافية للإعلان عن قرب طي صفحة الخلاف بكل أبعاده وتراكماته، وكل ما يمكن أن نتوقعه في ضوء ما يصدر من إشارات، وما يتوافر من معلومات، أن المشكلة تَعبر الآن نفقًا يتراءى في نهايته ما يمكن أن نعتبره ضوءًا لا نزال بعيدين عن الوصول إليه.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com