تعال..وأبقِ أخبارك السيئة هناك
تعال..وأبقِ أخبارك السيئة هناكتعال..وأبقِ أخبارك السيئة هناك

تعال..وأبقِ أخبارك السيئة هناك

وئام غداس

في القرون الوسطى كانت هنالك عادة تقضي بشنق كلّ من يحمل أخباراً مشؤومة،وأذكر في المجموعة القصصية "صانع الحبّ، بائع الحبّ" لإحسان عبد القدوس قصة كانت تندرج ضمن ما يسمى القصص الصحفية، ذلك أنها كانت تحكي إحدى القصص الواقعية التي كان يتلقاها الكاتب أثناء عمله كصحفيّ، وهي من الرسائل التي كان يطلب فيها القراء مساعدة واستشارة من إحسان عبد القدوس.



بطل القصة كان اسمه أحمد، وأحمد متزوج من امرأة جميلة يحبها وتحبه ويعيشان معاً حياة سعيدة ملؤها التفاهم والاحترام، يصف أحمد في الرسالة زوجته بإطناب ويأتي على ذكر ما تتمتع به من فضائل خِلقية وأخلاقية، حياة هادئة لا يعكّر صفوها شجار أو صدام، يقول إنّ علاقتهما كانت جميلة وهادئة منذ بدايتها،فالحبّ الذي كان يجمعهما كان حبّا مبنيا على العقل وليس على جموح الرغبة العمياء، ويقول إن حياته معها كانت حلوة، لكن ليس تلك الحلاوة الزاعقة في العسل، ولكنها حلاوة معتدلة كالتي في المربّى ويزعم أن هذا هو السرّ في نجاح علاقتهما واستمرارها.


في أحد الايام قرّر أحد أصدقائه – بعد تردّد-أن يخبره أنّ زوجته على علاقة برجل آخر وأنه رآها مرات كثيرة معه، وراح يخبره بكل تفاصيل تلك العلاقة ، هكذا عرف أحمد وبالأدلّة الدامغة أن زوجته تخونه منذ فترة طويلة، طويلة جدا، ولما واجهها اعترفت له بكل الحقيقة، تقوضت إذن كل سعادة أحمد وانهدم بيته.


الرجل الشاب بعث برسالته لإحسان فقط ليقول له إنه وجد أن لا مناص من الإنتقام ، وقد فكّر كثيراً فيما بإستطاعته أن ينقذ به كرامته، يقول أنه قرّر أوّلا قتل عشيق زوجته، ثم غيّر رأيه وقرّر قتل زوجته، لكنه الآن انتهى لمن يجدر أن يقتله حقا، من يعتبره المسؤول الأول والأخير عما انتهت إليه حياته من تعاسة،قرّر أحمد أن يقتل صديقه الذي نقل إليه خبر خيانة زوجته، لأنه لم يشعر للحظة واحدة أن زوجته تستغفله وتعيش بنفس الوقت لرجل آخر، كانت تغسلملابسه وتكويها، تعدّ له طعامه، تسهر قربه عند مرضه، ترعى أولاده، لا تنسىيوم ميلاده، تقول له كل يوم أنها تحبه، كان يشعر بثقة أنها تحبه، كان سعيداً حتى وتلك المرأة تخونه، كان بريئاً براءة العاشق من المعرفة، من يستحقّ العقاب هو الشخص الذي جعله يعرف!


لكن أخبروني من فضلكم بناءا على كل هذا، وقد بتنا نقتات يوميّاً على الأخبارالمشؤومة، إذا كان بطل عبد القدوس قد عرف عدوّه وقرّر قتله، فمن يجب أن نقتل نحن اليوم؟ من نقتل وكل شيء حولنا ينفث سموم الشؤم والحزن والكآبة؟


أنا واحدة من أولئك الذين يتمنون نسف نشرة الأخبار من التلفزيون، وأنا التي لم أتجرّأ يوماً على فتح فيديو يصوّر حرق إنسان أو ذبحه، أنا التي أركض بعيداً عن صور الحطام والركام والأطفال المشردين أو القتلى، المخيمات التي تفيض بمياه الأمطار في الشتاء، وتحرقها شمس القيظ في الصيف، أنا واحدة ممن يترجون الأصدقاء كل يوم على مواقع التواصل أن يكفّوا عن نشر هذه الفيديوهات والصور

المروّعة والمؤذية إلى أقصى حدود الإيذاء، أنا واحدة ممن يموتون يوميا مرات كثيرة كلما عبرت صورة أو تسجيل..


الأمر بهذه البساطة: تخيّل حرقاً في جسدك كم منظره مؤلم، كم من الحزن ستكلّفك رؤيته، إذا كان هناك من اخترع الضمّاد، فأرجوك أرجوك لا ترفعه كل ثانية، يكفي أنّك تعلم أنّه هناك.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com