ليبيا والتمدد التركي الجديد
ليبيا والتمدد التركي الجديدليبيا والتمدد التركي الجديد

ليبيا والتمدد التركي الجديد

تاج الدين عبدالحق

لم يعد التدخل التركي في ليبيا شكوكا يرددها من يتوجس خِيفةً من طموحات أنقرة في المنطقة، أو يخشى من رغبتها المعلنة، أو المبطنة لاستعادة تاريخها العثماني الغابر.

فبعد مجاميع المرتزقة الذين ظلت ترسلهم إلى طرابلس لدعم حكومة السراج والميليشيات المتحالفة معها، وبعد الاتصالات السياسية المكثفة التي كانت تجريها أنقرة مع أطراف إقليمية ودولية، تحت ستار دعم ما تعتبره شرعية لحكومة السراج،  أصبح التدخل التركي العسكري مكشوفا، بل باتت حكومة أردوغان تتباهى بما يحققه تدخلها العسكري المباشر، وتعتبره إنجازا من إنجازاتها، ورصيدا تساوم فيه على دور أو أدوار لها في مستقبل ليبيا، إن لم يكن في المنطقة ككل. 

ويبدو أن تركيا، التي نجحت بانتزاع اعتراف إقليمي ودولي لها في الأزمة السورية، تحاول الآن فرض نفسها -أيضا- كلاعب رئيس في الأزمة الليبية، وكأحد الذين يملكون مفاتيح الحل السياسي المستعصي، أو الحسم العسكري غير الممكن. 

الدور التركي في ليبيا يثير الشكوك لدى كثيرين، فهو يثير قلق أوروبا التي تتعرض لابتزاز تركي وتهديد بفتح سيل من المهاجرين إليها، كما أنها تثير شكوك مصر التي تجد في التدخل التركي تهديدا لأمنها، سيما وأن تركيا لا تخفي عداءها السافر لمصر، وعملها الدؤوب لتقويض أمنها واستقرارها، وهي بعد ذلك تثير حفيظة العديد من الدول العربية التي ترى في الدور التركي ترجمة لطموحات التوسع، ودليلا على رغبة أنقرة في تقويض النظام العربي؛ توطئةً لاستعادة الدور التاريخي للإمبراطورية العثمانية الغابرة. 

الدور التركي المتنامي في ليبيا، سببه غياب الدور العربي، الذي ظل لفترة طويلة مترددا، أو متباينا، فاكتفت معظم الدول العربية بالتعويل على دور الأمم المتحدة، مع علمها أن المنظمة الدولية أعجز من أن تنجح في تحقيق مصالحة وطنية ليبية، أو إنجاز  توافق دولي على مثل تلك المصالحة.

لم يكن أحد يتوقع أن تتحرك تركيا بهذا الشكل السافر لدعم حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، رغم وجود الكثير من المؤشرات التي تدل على أنه يجري في سياق سياسة محسوبة، واستراتيجية عمل مدروسة، أعدت لها أنقرة عدة عسكرية، ووفرت من أجلها غطاء سياسيا، شاركت فيه أحيانا بعض الأطراف الإقليمية، وساهمت به على نحو أو آخر أطراف دولية. 

العنوان الأوضح للتدخل التركي في ليبيا هو النفط، وشهية أنقرة للحصول على حصة من نفط وغاز المتوسط، وهو ما مهدت له باتفاق مع حكومة السراج؛ لتحديد الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط، بشكل وسع نطاق دعوى الشراكة التركية في ثروة النفط والغاز التي يجري استكشافها والتنقيب عنها في الشواطئ البحرية للعديد من دول الإقليم المتوسطي. 

هذا العنوان، لا يعد استجابة تركية للضغوط التي تواجهها تركيا في مجال الطاقة وحسب، بل إنه يغير معادلة المطامح النفطية التركية، حيث تتحول أنقرة من متطفل على هذه الثروة البعيدة عن شواطئها، إلى شريك مضارب، من خلال حدود بحرية مصطنعة. 

الشراكة النفطية التركية في المتوسط، إن تحققت، لن تقف عند هذا الحد، بل ستتحول في مرحلة تالية إلى شراكة سياسية في كل عرس إقليمي، وفي كل شأن داخلي في المنطقة. 

في التوجه التركي لإيجاد موطئ قدم لها في المتوسط، تبدو ليبيا كوجه آخر للدور التركي في سوريا، أو امتداد له، وعملية المقايضة التي بدأتها أنقرة مع موسكو في سوريا يبدو أنها مستعدة لإتمامها مع الشريك الروسي في ليبيا. 

في المقايضة الأولى كانت موسكو هي الرابح، فقد كانت أنقرة تدرك أنها مضطرة للتنازل؛ لأنها كانت تعلم علم اليقين، ومن خلال التجربة الميدانية، أن سوريا خط أحمر لموسكو، وأن أي حل أو توزيع للأدوار يجب أن يتم حسب المقاس الروسي. وبالتالي كان هناك نوع من الاستحالة لتنفيذ المشروع التركي الذي حاولت تركيا تسويقه مع بداية الأزمة السورية، ولم يكن ممكنا لأنقرة أن تتفرد - كما كانت تخطط أو تأمل - بالأرض السورية، وفيما بعد بالمياه البحرية لها وما تحويه من ثروات في مجال الغاز والنفط. 

ويبدو الوضع مختلفا هذه المرة، في المقايضة الثانية، حيث تتلمس روسيا دورا لها في  ليبيا؛ استجابة لبعض دول الإقليم التي عولت عليها كحليف محتمل، يحقق توازنا في المعادلة السياسية والعسكرية الليبية، بينما تجد أنقرة فرصة مواتية لها لإتمام مقايضة دسمة مع موسكو، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية. ففي مقابل تنازل حاسم في سوريا، تأمل أنقرة أن تجد من موسكو دعما سياسيا يساعدها على انتزاع اعتراف دولي بمصالح ونفوذ تركيا في ليبيا. وبهذا الشكل وهذه المقايضة المنتظرة تصبح ليبيا بؤرة جديدة لتنازع المصالح وتقاسم النفوذ، فيما يبدو الدور العربي هامشيا، ومصالح الليبيين آخر الهموم التي تثير قلق المجتمع الدولي.

 

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com