"آيدكس".. المبادرة المجنونة بعد عشرين عاماً
"آيدكس".. المبادرة المجنونة بعد عشرين عاماً"آيدكس".. المبادرة المجنونة بعد عشرين عاماً

"آيدكس".. المبادرة المجنونة بعد عشرين عاماً

تاج الدين عبد الحق

لو عاد الفرد نوبل إلى الحياة اليوم، لما أقدم على تخصيص جائزة باسمه، تكفيرا عن اختراع "البارود" القاتل، الذي تغيرت بتصنيعه قواعد الحروب وإستراتيجياتها.

فما أعتبره نوبل نهاية لعصر الفرسان، وبداية لعصر القتل الجماعي، بات قياسا بالمخترعات الحربية الجديدة وبحروب هذه الأيام، أشبه بلعب الأطفال وأسلحتهم.

نتذكر ذلك بمناسبة معرض الدفاع الدولي بأبوظبي "آيدكس 2015" الذي بات من أبرز المعارض الدفاعية على مستوى العالم، وواحدا من أشهر المناسبات التي تستعرض فيها الدول مظاهر القوة، وتتبارى فيها، لعرض أفضل إنتاجاتها وابتكاراتها في مجال الصناعات الحربية، من مختلف الأنواع ولكافة الاستعمالات بدءا من حماية وتامين الحدود، وانتهاءً بتجهيز وإعداد الجنود.

عندما انطلق المعرض في عام 1993، بدا للبعض مبادرة مجنونة، تسير بعكس التيار. فالإمارات العربية المتحدة، دولة مسالمة ، وبالكاد لديها خلافات، لا تتجاوز، في أسوأ الظروف حد التباين في وجهات النظر، ولم يعرف عنها أي نزعة عدوانية، أو رغبة في امتلاك معدات حربية تتجاوز إحتياجاتها الدفاعية.

كما أن المعرض انطلق في وقت كان العالم يودع الحرب الباردة المرهقة، التي أعيد بانتهائها رسم الخرائط والحدود، لتجد الصناعات الحربية التي كانت تنمو، وتلعب على وتر النزاعات الدولية، نفسها مهددة بالشلل، وعمالها بالبطالة. وكنا نقول في ذلك الوقت من يروج لسوق آفلة؟

لم نكن نتوقع في ذلك الوقت أن يستمر المعرض أكثر من دورة أو دورتين، وكنا نراهن على أن بشائر السلام التي بدأت بانتهاء الحرب بين القطبين الكبيرين ستعم العالم، لينعم به أولئك الذين كانوا وقودا دائما لتلك النزاعات، وساحة من ساحاتها.

لكن يبدو أن الحرب تلد أخرى كما يقولون. فالحرب الباردة ولدت حروبا ساخنة، فاق عدد ضحاياها وزادت خسائرها المادية والبشرية كل ما عهدناه في الحروب السابقة. فمن الحروب الأهلية وحروب الانفصال، إلى حروب النزاعات العرقية والطائفية، لينتهي بنا المطاف إلى حروب الإرهاب التي لم يسلم من شرورها وآثارها أحد، وباتت مصدر التهديد الأول للجميع بغض النظر عن دينه أوجنسه وطائفته.

هذه الحروب، لم تنعش الصناعات الحربية من جديد فقط، بل أضافت لها الكثير لتتناسب مع نوعية الحروب الجديدة، التي لم تعد قاصرة على المواجهات العسكرية عبر الحدود، بعد أن أصبحت في مواجهة حروب داخلية أكثر كلفة وأثقل عبئا من كل الحروب العسكرية التقليدية.

هذا التداخل بين الحروب الخارجية والحروب الداخلية، لم يكن مظهر التاثير الوحيد الذي أصاب الصناعات الحربية. فمثل هذا التداخل حدث على صعيد الاستخدام أيضا. فكثير من المعدات التي أنتجت لأغراض عسكرية، وجدت طريقها إلى الاستخدام المدني، خاصة التطبيقات الخاصة بالحروب الإلكترونية وأنظمة المراقبة، وحماية المنشآت فضلا عن أنظمة الاتصالات المتطورة التي اتسع نطاق استخدامها للدرجة التي باتت فيها جزءا من الحياة اليومية للناس.

وبات عرض المعدات الحربية في معرض مثل "آيدكس"، في ظل تطور الاستخدام، مبرر أخلاقيا. ونجح المعرض من خلال رسالته المستمرة منذ عشرين عاما، في أنسنة هذه المعدات، وإضفاء طابع أخلاقي على استخدامها وإقتنائها، بل أصبح في جوهره، رسالة ردع توضح الكلفة الهائلة للحروب، ومدى الحاجة لتجاوز النزاعات بالطرق السلمية.

ولعل توسع الشركات المصنعة للمعدات الحربية في إنتاج النماذج ذات الاستخدام المزدوج، العسكري والمدني ، تاكيد على أن رهان هذه الشركات لم يعد على من يشعل الحروب ويذكي النزاعات، بل على أولئك الذين يأخذون الحيطة والحذر من خلال أنظمة دفاعية وأمنية تحمي مجتمعاتهم ومواطنيهم.

وهذا ما يفسر حرص الشركات على إضفاء لمسة جمالية على الأجنحة الخاصة بها، فهي تحرص على أن لا تعرض فقط المعدات القادرة على القتل، بل تحرص أيضا على تطعيمها بالمعدات والأجهزة القادرة على الردع أيضا.

عندما تنجح أبوظبي، في فرض معرض "آيدكس" كواحد من أهم المعارض الحربية في العالم، تؤكد أن سوق السلاح لم تعد تديره الأيدي الشريرة التي أمتهنت تجارة الموت، بل إنه صناعة أولئك الذين يعرفون قيمة الحياة، وكيف يدافعون عنها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com