أنقرة واللحظة المجنونة
أنقرة واللحظة المجنونةأنقرة واللحظة المجنونة

أنقرة واللحظة المجنونة

يوسف ضمرة

لا يمر يوم من دون داعش. لا سبيل الآن للتوقف في منتصف الطريق أو أوله، ولا بد للعالم كله أن يشارك في هذه الحرب، حتى لو كانت داعش صناعة أمريكية كما يؤكد ساسة ومحللون أمريكيون كثر.



نجحت الصورة والإعلام كله في تسليط كشافات الضوء على هذا الاسم، الذي اكتسب إيقاع الموت والرعب، الأمر الذي حول الجماعات الأخرى إلى حِملان صغيرة إعلامياً. فلا أحد يتحدث الآن عن النصرة"القاعدة" التي غدت بخلافها"الوهمي" مع داعش، معارضة معتدلة؛ ولا قيمة لقرار مجلس الأمن الذي صنفها مجموعة إرهابية، بحيث لم تستهدفها طائرات التحالف برصاصة واحدة؛ بل أصبح الإعلام الغربي والعربي المعادي لسوريا، يترنم بإنجازات النصرة في مواجهة الجيش السوري.


لا يُخفى على أحد ما تقدمه تركيا من دعم للنصرة وشقيقاتها. ولا يُخفى على أحد أن تركيا متمسكة جدا بضرورة إسقاط النظام السوري، على الرغم من الدعوات الأممية لحل سياسي للأزمة السورية. فتركيا تدرك أن أربع سنوات من دعم الجماعات المسلحة، وتمرير آلاف أطنان الأسلحة عبر أراضيها، وإمداد المجموعات بالمقاتلين من أنحاء العالم كله، لن يقابله النظام السوري ـ فيما لو استتب الأمر له ـ بالأوسمة والورود. وتدرك أن استقرار سوريا بنظامها الحالي، سيحرمها من بوابة ذهبية إلى الشرق والخليج. ولذلك، ليس غريبا أن تسارع تركيا للمساعدة في وقف تقدم الجيش السوري شمالا، حيث نجاحه يعني القضاء على حلم أردوغان في منطقة عازلة، كما تتجه الأمور جنوبا هذه الأيام.


تستند تركيا في عنجهيتها إلى أكثر من جدار؛ قوتها العسكرية الذاتية، وعضويتها في حلف الناتو العسكري، وعلاقاتها العسكرية الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني. وهي لذلك لم تلبّ الطلب الأمريكي بالانضمام إلى تحالف دولي لمحاربة داعش، حيث لا تشكل هذه المهمة أولوية تركية في المدى المنظور، طالما كان هنالك هدف أكبر، أو حلم يدغدغ مشاعر أنقرة بالقضاء على النظام السوري، ليكون لأنقرة بحكم الجغرافيا السياسية، والديموغرافيا أيضا، نفوذ قوي يفوق نفوذ سواها في سوريا، من خلال الدعم المتواصل للجماعات الإسلامية.


لا تشكل داعش مشكلة بالنسبة لتركيا في الوقت الراهن. فتركيا تعتقد أن كل ما هو على حدودها تحت السيطرة. ولذلك منعت قوات حزب العمال الكردستاني من التوجه إلى"عين العرب" لقتال داعش.
فهي لا ترغب في تقوية "عدو مؤجل " على الرغم من حالة الهدوء التي تسود بين الطرفين في الآونة الأخيرة. لقد هيأت أنقرة الظروف المناسبة لوصول قوات البيشمركة إلى عين العرب"كوباني" لأن في ذلك تمتينا للعلاقة بين تركيا وإقليم كردستان، الذي أصبح مجرد بؤرة استخباراتية للموساد والسي آي إيه، تحت قناع السيادة القومية الكردية، وبعض الأمن المفقود في مناطق أخرى من العراق. وكلما اشتدت قوة كردستان العراق، وازداد الدعم الأمريكي الصهيوني له، صب ذلك في بحيرة أنقرة. فهو يعني ببساطة تقليصا لقوة العمال الكردستاني الذي يؤرق أنقرة، على الرغم من اعتقال زعيمه التاريخي عبد الله أوجلان. وعلى الرغم من الحوار السياسي المتقطع بين الطرفين.


تبدو أنقرة مستعدة للتخلي عن علاقاتها الطيبة مع طهران، مقابل التخلص من نظام دمشق، والإمساك بخيوط الساحة السورية، الذي يتيح لأنقرة فرصة فرض شروط عدة على سواها في الإقليم، بحكم سيطرتها على الجماعات المسلحة.


هذا ما يبدو على السطح، ولا تريد أنقرة أن ترى سواه. ففائض القوة بعد انتهاء الأزمة السورية، سيبحث عن أعداء جدد كما حدث مع المجاهدين الأفغان من قبل. والله وحده يعلم كيف ستتمكن أنقرة من إقناع هؤلاء المسلحين بالإبقاء على عَلمانيتها التي تتغنى بها.


فقدت تركيا علاقاتها الطيبة مع مصر وإيران ودول الخليج باستثناء قطر. وهي كما يبدو، تصر على المضي قدما في مشروع أصبح العالم كله يفتش عن حلول له وتسويات، تضمن الحد الأدنى من الحقوق. فلا أحد سوف يظل يتقبل هذه الجريمة التي تحدث في سوريا يوميا، خصوصا مع ما تلقي به من ظلال إرهابية على مناطق أخرى، وما قد يفجر الإقليم كله في لحظة مجنونة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com