دبلوماسية العزاء تنعش الشراكة بين الرياض وواشنطن
دبلوماسية العزاء تنعش الشراكة بين الرياض وواشنطندبلوماسية العزاء تنعش الشراكة بين الرياض وواشنطن

دبلوماسية العزاء تنعش الشراكة بين الرياض وواشنطن

تاج الدين عبد الحق

لاتنفي الطبيعة الخاصة لزيارة العزاء التي قام بها الرئيس الأمريكي بارك أوباما للرياض، حقيقة أن البلدين على وشك تجاوز حالة الشك، وعدم الثقة، التي اتسمت بها علاقتهما في السنوات الأخيرة.

ولا يشكل مجيء قيادة سعودية جديدة، العنصر الوحيد في تشكيل التغيير المنتظر، إذ ثمة متغيرات أخرى تسهم في إعادة رسم الصورة، لا على صعيد العلاقات الثنائية، بل على مستوى العمل الإقليمي المشترك أيضا.

فالرياض التي راقبت بقلق الدور الذي لعبته واشنطن، في إشعال وإذكاء، ما عرف بثورات الربيع العربي، وسعيها لتعميم ما عرف بالفوضى الخلاقة، والوصول بها إلى معاقل دول الاعتدال العربي في الخليج، عانت طوال السنوات القليلة الماضية، من ضغوط أمريكية مباشرة، وغير مباشرة، إما بذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان، أو بذريعة الحرب على الإرهاب.

لكن القيادة السعودية تجد الآن أن تلك الموجة آخذة بالانحسار، وأن تلك الضغوط لم تفلح في تقويض أساسيات الحكم، بل إن المملكة تجد نفسها اليوم أفضل حالا لمواجهة هذه الضغوط والتصدي لها دون أن تضطر للمغامرة، أو دفع ثمن سياسي.

فالثورات العربية فشلت في خلق النموذج الذي كانت الولايات المتحدة تسعى لإيجاده، كوسيلة تضغط بها على دول المنطقة، والتحالفات البديلة التي حاولت الولايات المتحدة نسجها مع القوى السياسية البديلة للأنظمة الحاكمة، لم تجد في النهاية الحاضنة الشعبية التي تمكنها من الوصول للسلطة، ولا حتى الاحتفاظ بها كما كان الحال في مصر وتونس.

كما أن تلك الثورات تشظت وأصبحت مصدر قلق وتهديد لا للأنظمة فحسب، بل للاستقرار الاجتماعي والسياسي، كما هو الحال في ليبيا والعراق وسوريا .

ويبدو أن فشل الإدارة الأمريكية، في خلق النموذج البديل، وفشلها في احتواء رقعة الإرهاب التي تنتشر بسرعة في عموم المنطقة ، أعطت للسعودية وغيرها من دول الإعتدال العربية زخما وقوة دفع مكنتها من التصدي، لا للضغوط الأمريكية فحسب، بل للقوى التقليدية الداخلية التي حاولت استغلال موجة الربيع العربي لتقوية مراكزها وحضورها السياسي في الساحة المحلية.

وفيما يشبه الاعتراف بالفشل، اضطرت واشنطن للعودة إلى تحالفاتها التقليدية التي أثبتت رغم كل الضغوط التي واجهتها، أنها تحالفات قادرة على الصمود، بل واتخاذ زمام المبادرة في بعض الأحيان.

وقد ظهرت إرهاصات هذا التحول في السياسة الأمريكية في الانفتاح على القيادة المصرية ، وحسم تردد الإدارة الأمريكية في التعاطي مع التغيير الذي جرى بعد الثلاثين من يونيو والذي نتج عنه انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي.

في هذا المناخ السياسي تتحرك دبلوماسية العزاء الأمريكية، بكامل زخمها حاملة ملامح توجهات جديدة، ليس لدى الإدارة الامريكية فحسب بل لدى القيادة السعودية الجديدة أيضا. فالإدارة الأمريكية باتت أكثر اقتناعا، بأن سياسة الضغوط والإملاء لم تؤد إلى أي نتائج على صعيد التغيير الذي تطلبه واشنطن من أنظمة الحكم في المنطقة، بل إن هذه السياسة أدت إلى إضعاف التحالفات التقليدية للولايات المتحدة، وأتاحت الفرصة لتمدد نفوذ قوى إقليمية منافسة، وهو ما ظهر واضحا في التمدد الإيراني الذي استغل ثورات الربيع ليعزز وجوده في العراق وسوريا، ويمد نفوذه تاليا إلى اليمن.

أما السعودية التي كانت تنظر بعين الشك والريبة لطلبات واشنطن المتكررة بإحداث بعض الإصلاحات الاجتماعية والسياسية الداخلية، فقد باتت أكثر اقتناعا أنها أمام استحقاقات ملحة على هذا الصعيد، وذلك بعد أن ظهر أن التأخر أو التردد في الإصلاح، من شأنه تعزيز دور القوى المتطرفة التي ظلت تعارض أي شكل من أشكال الإصلاح، وتلعب دور السلطة الموازية لسلطة الدولة، فضلا عن أنها شكلت حاضنة سمحت لتفريخ الجماعات الإرهابية في الداخل السعودي أو المحيط الإقليمي.

والواضح من تحليل الموقفين الأمريكي والسعودي، بعد مباحثات الملك سلمان مع الرئيس أوباما، أن هناك قواسم بينهما، لتطوير الشراكة بين البلدين، وخلق تفاهمات جديدة، تمكنهما من احتواء سلبيات المرحلة الماضية، والتطلع لمعالجة استحقاقات المرحلة المقبلة.

القيادة السعودية الجديدة رغم تقاسمها ذات الثوابت التي حكمت مسيرة الحكم السعودي طوال العقود الماضية، تبدو أكثر استعدادا للتغيير وقد تعيد في ظل التداخل الحاصل بين الهموم الإقليمية والهواجس الداخلية، ترتيب أولوياتها، بحيث تعطي للإصلاحات الداخلية بما في ذلك تجفيف المنابت الفكرية للإرهاب أولوية في المرحلة المقبلة، حتى تكون قادرة على القيام بدورها الإقليمي، ومن المؤكد أن مثل هذا الجهد يلتقي مع توجهات الإدارة الأمريكية الراغبة في تجديد وتطوير علاقة الشراكة مع الرياض، لتكون أكثر فاعلية في مواجهة الهموم الإقليمية التي تشكل تحديا مشتركا للبلدين وحلفائهما في المنطقة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com