من كواليس الصحافة
من كواليس الصحافةمن كواليس الصحافة

من كواليس الصحافة

للصحافة دائما كواليس لا تظهر للناس، حالها في هذا حال كواليس السينما والتلفزيون. وقد فطن أهل الشاشة الكبيرة ومن بعدها الشاشة الصغيرة، إلى أن كواليس العمل السينمائي أو التلفزيوني قد تكون مادة جذابة للجمهور أكثر من العمل نفسه، ولذلك بدأت في إعادة بث ما يمكن اعتباره نوعا من الأخطاء والمفارقات التي تثير الضحك أو الاستهجان. بل إن بعض الاعمال جعلت من مفارقات التصوير وأخطائه جزءا لا يتجزأ من حلقات كل عمل.



في الصحافة هناك شيء من هذا ولكنه قل أن يظهر. وقد كتب زملاء عن بعضه، ومن ذلك مثلا ما كتبه صحفي مصري في الستينات عن عبارة نشرت ضمن إعلان وفاة وتعزية، وكانت كناية عن تأشيرة لرئيس التحرير بإجازة نشر الاعلان "إن كان له مكان". لكن عامل المطبعة وضعها ضمن النص الأصلي للإعلان لتجيء العبارة الأخيرة فيه على النحو التالي: (نرجو للفقيد الرحمة وندعو الله أن يدخله فسيح جناته إن كان له مكان).


هذه القصة يذكرها المخضرمون، أمثالي، ممن عاشوا عهد الصحافة الورقية بكل مراحلها، وأدركوا عهد الإلكترون بكل تعقيداته، لكن قصصا أخرى عديدة لم تجد حظها في النشر، وظلت جزءا من ذكريات قد تجد طريقها يوما ما للنشر، أو قد يطويها النسيان. من ذلك على سبيل المثال ما حصل لي شخصيا ذات مرة مع المرحوم الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي الراحل. فقد جاء رحمه الله في آواخر التسعينات، إلى أبوظبي حيث كنت أعمل مراسلا لجريدة الشرق الأوسط اللندنية وتمت الزيارة في وقت كانت سحابة من سوء الفهم تظلل العلاقات السعودية-الإماراتية، وقد وصلت تلك السحابة، على نحو غير معهود، حد التراشق بتصريحات بدت غير مألوفة بالنسبة لعلاقات البلدين.


عشية تلك الزيارة هاتفني الاستاذ عبد الرحمن الراشد، وكان وقتها رئيسا للتحرير، ليطلب مني أن أكون في المطار عند وصول الأمير وأن أوجه له سؤالا محددا حول العلاقات الإماراتية-السعودية، وذلك لإعطاء المسؤول السعودي فرصة التحدث عن العلاقات وترطيب الأجواء بين البلدين.


واستباقا لما قد يثيره البعض من تساؤلات عن سبب اختياري أنا لتوجيه السؤال وليس أحدا من الإعلاميين المرافقين للأمير، أقول إن هذا الاختيار كان مقصودا حتى يبدو الأمر عفويا، وحتى لا يبدو وكأنه ترتيب سعودي مسبق. فعلى الرغم من أنني اعمل في صحيفة سعودية، إلا أن إقامتي الطويلة تجعلني بشكل أو آخر محسوبا على الإمارات، مما يجعل أي سؤال من قبلي سؤالا محايدا.


المهم في القصة ليس هنا، ولكن فيما قاله الأمير رحمه الله ردا على سؤالي، حيث استهل إجابته بالقول: (أنا ولد عند أبوه...)، مشيرا في هذا الإستهلال، إلى علاقته المميزة بالمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة في ذلك الوقت، لكن هذه العبارة وبسبب ضجة الكاميرات والحاضرين، وقعت في أذني على نحو آخر حيث سمعتها على شكل عبارة استنكار للسؤال، وكأنه يقول: (أنا ولد عند أبوك!). والفارق بالطبع شاسع وواضح بين العبارتين، واعتقدت للحظة أنني أثرت غضب الأمير، وأن السؤال كان مستفزا للدرجة التي جعلته يستنكر طرحه، فلم أعد أتمكن بعد ذلك من متابعة ما يقال، ولم أوجه أي سؤال تكميلي، متعجلا الفرار من الموقف الذي ظننته محرجا، وأن سؤالي أوقعني بخطأ لم تكن البشاشة التي عرف بها الأمير، وظلت مرتسمة على محياه وهو يواصل الإجابة، كفيلة بإصلاحه أو إخفائه.


بعدها بالطبع تبينت من مرافقي الأمير ما قاله بالضبط، بعد أن استوضحتهم عما أثار غضبه في سؤالي، لأكتشف أن السؤال كان في محله، وأن الاجابة كانت متسقة مع ذلك السؤال.

القصة برمتها وصلت الأمير الراحل الذي سمعت أنه استعادها أمام مضيفيه لتصبح بعد ذلك مثيرة للضحك في كل مرة يستعيدها من يعرف بها، أو سمع عنها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com