النفط  بداية انهيار، أم فرصة مراجعة؟
النفط بداية انهيار، أم فرصة مراجعة؟النفط بداية انهيار، أم فرصة مراجعة؟

النفط بداية انهيار، أم فرصة مراجعة؟

تاج الدين عبد الحق



بين اعتبارها جزءا من الأزمة السياسية العامة التي تلقي بظلالها القاتمة على كل شئ في حياتنا، وبين اعتبارها أزمة اقتصادية خالصة لا نملك القدرة على دفع بلائها، والافلات من خسائرها، يتابع العالم أسعار النفط، التي أصبحت عند الكثيريين، باروميتر، يقاس به مدى العافية التي يتمتع بها الاقتصاد العالمي، وحدود ما يمر به من أزمات.


من يعتبر انخفاض الأسعار جزءا من لعبة سياسية، هو من يراهن على أن الأسعار الرخيصة، تعني إضعاف الموقف التفاوضي الروسي بشأن ملفي سوريا وأوكرانيا، وهو من يرى في هذا التدني، عامل ضغط، يزيد من خلاله حدة المشكلات الداخلية الإيرانية، وصولا إلى إضعاف مقومات الطموحات السياسية الإقليمية لطهران، والتأثير على موقفها التفاوضي بشأن الملف النووي.


هذه المراهنة قائمة على مكانه النفط في اقتصاديات إيران وروسيا، فالعوائد البترولية تشكل مصدرا أساسيا من مصادر العملة الصعبة، وعنصرا رئيسيا من عناصر التجارة الخارجية للبلدين.


ظاهر هذه المعادلة يبدو معقولا، لو أن التحكم في أسعار النفط، في يد من يملك القرار السياسي، وأن العوامل الاقتصادية المؤثرة في عملية التسعير ما هي إلا ذرائع مفتعلة، وغطاء مصطنع، للمناورات السياسية. لكن من ينظر إلى أبعد من الجزء الظاهر سيجد أن هناك مجموعة من العوامل الاقتصادية الحقيقية التي لايمكن تجاهلها.


سنجد، على سبيل المثال، تطورا في مستوى، وتوزيع الطلب العالمي على النفط، خاصة بعد دخول الولايات المتحدة كمنتج فاعل للزيت الصخري، والذي لم يكن إنتاجه اقتصاديا قبل سنوات بسبب ارتفاع كلفة استخراجه. كذلك سنلحظ تباطوءاً، في الاقتصادين الصيني والهندي اللذين شكلا، لسنوات، بيضة القبان في الطلب العالمي على النفط، كما سنلمس التطور الذي تشهده مصادر الطاقة البديلة والتي أصبحت منافسة في ظل الأسعار المرتفعة للنفط من جهة، والاشتراطات البيئية المفروضة على استخدام المواد الهيدروكربونية من الجهة الأخرى.


لكن بالرغم من وجاهة هذه العوامل الاقتصادية، فإن هناك من يقول بأن العوامل الاقتصادية المشار إليها لم تظهر فجأة، ولم تهبط من السماء، وتفاعل الأسواق معها ليس حالة طارئة، وكل ذلك قد يدعو لللتساؤل عن السر في التراجع الحاد في الأسعار ضمن مدى زمنى لا يتجاوز أشهرا، وفي ظروف مناخية تستدعي زيادة في الطلب على الوقود، لا انخفاضه، وفي ظل تراجع صادرات دول أساسية مصدرة مثل ليبيا والعراق.


الواقع أن لا أحد يجزم بأن العوامل السياسية ليست حاضرة في المشهد النفطي، كما لا يوجد ما يؤكد أن ملامح هذا المشهد ترسمه فقط عوامل السوق فقط. ولذلك فإن الأفضل في مشهد ملتبس كهذا، عدم الاستغراق في تحليل الأسباب والمعطيات بل البحث عن صيغ للتعايش مع الأوضاع النفطية المضطربة التي تمر بها السوق العالمية، والعمل على توظيفها بالشكل الذي يقلل من الخسائر أو التبعات الناتجة عنها.


في منطقتنا العربية هناك فرصة كبيرة للتكيف مع الأزمة. فالدول العربية المنتجة للنفط، قادرة على تكييف الانفاق بحدود الموارد النفطية المتاحة، وهي إن احتاجت إلى تعويض ما لحق بها من خسائر بسبب تراجع أسعار النفط، قادرة على استخدام جزء من احتياطاتها المالية التي بنتها في سنوات سابقة، فضلا عن أن لديها فرصة ذهبية لتنشيط مساهمة القطاعات الإنتاجية غير النفطية، خاصة وأن لديها بنية تحتية مكتملة ولديها عناصر جذب استثمارية في مجالات عديدة.


في منطقتنا العربية توفر أسعار النفط المنخفضة للدول العربية غير المنتجة فرصة لتصحيح موازين مدفوعاتها، من خلال تقليص حجم الفاتورة النفطية التي كانت تتكبدها، والتي تأتي على الجزء الأكبر من مواردها. كما أنها يمكن أن تحسن من كلف إنتاج العديد من السلع والتي فقدت، بسبب كلفة الطاقة، قدراتها التنافسية.


تراجع أسعار النفط، لا يحمل نذر أزمة جديدة، بقدر ما يساعد على حماية الموارد النفطية، من منافسة البدائل الجديدة، التي حالت الكلفة الباهظة دون إنتاجها، لتصبح مع ارتفاع أسعار النفط، بدائل منافسة سوقيا، ومجزية اقتصادياً.


التراجع في سعر النفط قد يكون خطرا يهدد المضاربين والمغامرين، الذين اعتادوا اللعب بالبيضة والحجر لتحقيق عوائد مالية سريعة، لكنه قد يكون فرصة للمراجعة أيضا، بحيث نخلق في المدى المتوسط والطويل أنماطا اقتصادية أكثر استقرارا وأسواقا أكثر نضجا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com