عام بلا عنوان
عام بلا عنوانعام بلا عنوان

عام بلا عنوان

ينتهي عام 2017 بالذي بدأ به، ونستقبل العام الجديد بالذي كنا عليه. لا شيء يتغير ولا الحال تتبدل. أعوام يشبه بعضها بعضًا، للدرجة التي لم نعد نميز فيها تواريخ الأحداث، ولا مسمياتها ولا أزمانها. أصيبت الذاكرة بالعطب، صرنا نعاني لفرط تسارع الوقائع من الزهايمر السياسي، فنظن أن ما وقع بالأمس مضت عليه سنوات، وأن ما نذكره اليوم جزء من تاريخ غابر.

الأحداث أصبحت عصية على التحليل، ولا يكشفها رادار التنبؤات السياسية مهما كان دقيقًا. نتفاجأ بأن حلفاء الأمس هم خصوم اليوم، وأن من كان يقف في أقصى اليمين بات في أقصى الشمال دون أن نجد لذلك تفسيرًا أو تعليلًا، صار التنجيم وقراءة الطالع بضاعة رائجة، وباتت كتب المنجمين وتوقعاتهم أكثر الكتب بيعًا، وأكثرها رواجًا.

ونحن نودع عام 2017 لا نجد عنوانًا جامعًا له. كنا في القرن الماضي نذكر الأعوام بأحداثها، تحفر نفسها في الذاكرة، فهذا عام النكبة، وذاك عام النكسة، وبينهما عام العبور. وبين هذه وتلك اليوم تتبدل الحال. تراوح الأحداث مكانها، لانعرف متى بدأت ولا متى تنتهي. الثورات والانقلابات التي كانت تتغير بعدها سياسات، وتتبدل بسببها توازنات، وتتغير فيها الحسابات، لم تعد محكومة ببيان مكتوب، ولا تاريخ معلوم، لتتحول بطول المقام، إلى فوضى لا نعرف من أشعلها، ولامن يقودها، وإلى أين يسير بها.

تداخلت المصطلحات، وتبدلت المفاهيم، وما اعتبره البعض غزوًا اعتبره آخرون تحريرًا. وما ظنه البعض صحوة يبشرون بها ويدافعون عنها، انتهت إلى كبوة أعادت البلاد والعباد إلى عصر الجاهلية والظلام.

عام 2017 عام ككل الأعوام التي سبقت منذ مطلع هذا القرن على الأقل، لا نجد فيها ما يميزها. فما تحقق فيها لم يكن ناجزًا يمكن توصيفه، ولا كاملًا يمكن تحديده. قد يكون سقوط دولة الدواعش هو العنوان الأبرز، لكن ذلك لا يعني سقوط دولة الإرهاب التي تتجسد مرة بأنظمة، ومرة بتنظيمات إرهابية، تتمدد شرقًا وغربًا معلنةً عن نفسها بعمليات دموية تذكرنا بأن داعش لم تكن إلا معركة واحدة في حرب لاتزال مستمرة، ربما توشك الحرب الأهلية في سوريا أن تضع أوزارها، دون أن يلوح في نهاية النفق الطويل المظلم بصيص أمل، ينير الطريق أمام الباحثين عن الحرية، والساعين للانعتاق من جور الاستبداد. فالنظام لايزال ممسكًا بتلابيب السلطة، والمعارضة تتعثر في الوصول إلى إنجاز سياسي يجعلها شريكًا ممكنًا في الحكم.

التقسيم الذي كان خطرًا حقيقيًا، وثمرة متوقعة للفوضى الخلاقة التي عاشتها المنطقة سنوات، ابتعد قليلًا عن المشهد، لكنه أصبح واضحًا في مناطق نفوذ طائفية كما الحال في سوريا، أو مناطقية كما الحال في ليبيا.

تراجعت القضية الفلسطينية من حالة المراوحة التي لم نصل فيها إلى أي مكان، ليبدأ الفلسطينيون رحلة جديدة بدهاليز الأمم المتحدة، وكراسات القانون الدولي علّهم ينجحون بنزع الشوك من أيديهم بأنفسهم، بعد أن غاب الحليف، وانحاز الوسيط.

في الإقليم تستمر الأطراف في محاولاتها الوصول إلى العمق العربي، بالتعاون مع قوى طائفية ومذهبية أو قوى سياسية وحزبية، مرة باسم المقاومة والممانعة، ومرة باسم الدين واستعادة أمجاد الماضي التليد.

عام 2017 عام ككل الأعوام، لا يمكن اعتماده منطلَقًا لتقدير ما يحمله عام 2018، وكل ما تسمح به المعطيات التي وصلنا إليها مع نهاية العام االمنصرم، هو الدعاء بأن يجيرنا الله مما هو أعظم في العام الجديد.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com