دول الخليج ومؤتمر الصين

دول الخليج ومؤتمر الصين

تتجه الأنظار في 16 أكتوبر/تشرين الأول المقبل (أو يوم الأحد القادم) نحو قاعة الشعب الكبرى في العاصمة الصينية بكين، حيث من المنتظر أن يجتمع نحو 2200 مندوب من جميع أنحاء البلاد؛ للمشاركة في أعمال المؤتمر العام العشرين للحزب الشيوعي الصيني، وسط ترقب إقليمي ودولي لنتائج المؤتمر.

المؤتمر يُعقد مرة كل خمس سنوات، وهو أهم حدث سياسي في جمهورية الصين الشعبية، حيث سيتم انتخاب/تجديد الأطر القيادية للحزب بما في ذلك اللجنة المركزية والمكتب السياسي، علاوة على تحديد سياسات بكين للسنوات الخمس المقبلة، ومن المتوقع أن يشهد المؤتمر المصادقة على تمديد ولاية الرئيس شي جين بينغ لفترة ثالثة، في سابقة لم تحدث منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في 1949.

من الناحية العملية، تمديد ولاية الرئيس شي جين بينغ تعني المضي قدما وربما تسريع السياسات المصممة لزيادة الاكتفاء الذاتي للصين في مجالات مثل تكنولوجيا الجيل التالي، بما في ذلك أشباه الموصلات والحوسبة وكفاءة الطاقة، فضلا عن تعزيز التطوير الإضافي للسوق المحلي أو دعم سياسات النمو القائمة على الطلب الداخلي.

يأتي عقد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في لحظة مهمة للصين؛ فالنظرة المستقبلية للاقتصاد غير مؤكدة على نحو غير عادي، مع وجود مشاكل تتعلق بإدارة مكافحة فيروس كوفيد-19، علاوة على أزمة قطاع العقارات التي تثير قلق المستثمرين.

في الوقت نفسه، أدى تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين إلى جعل إمكانية المواجهة المباشرة بين أكبر اقتصادين في العالم أمرا مرجحا.

هذه التطورات مجتمعة من المؤكد أن تكون محل اهتمام أعضاء المؤتمر والقيادات الصينية التي سيتم انتخابها أو التجديد لها، وقد تؤدي بالمحصلة إلى تعزيز السياسات التي أعلنها الحزب الشيوعي سابقا، والتي من المحتمل أن تكون لها تداعيات اقتصادية لا يستهان بها على علاقات الصين مع منطقة الشرق الأوسط خصوصا دول الخليج.

بداية، يتوخى الحزب الشيوعي الصيني جعل الصين قوة ابتكارية، لا سيما في مجال التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي والطيران والحوسبة السحابية والمركبات الكهربائية والروبوتات وأشباه الموصلات.

تعتبر التطبيقات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك في مجال الأمان (مثل التعرف على الوجه) والخدمات المالية الفائقة، قوة خاصة للصين ويمكن نشرها على نطاق واسع من خلال مبادرة الحزام والطريق.

من المتوقع أن يحفز "طريق الحرير الرقمي" أو الذراع التكنولوجية مبادرة الحزام والطريق الصينية الشركات التي تتخذ من الصين مقراً لها على الاستثمار في البنية التحتية للخدمات اللوجستية للتجارة الإلكترونية دوليا، بما في ذلك المستودعات ومراكز البيانات والمراكز اللوجستية المرتبطة بالمطارات والموانئ والخدمات البريدية القديمة وأنظمة اللوجستيات ومراكز البيانات والاتصال بالإنترنت والمنصات الرقمية.

ومع توجه دول الخليج لتسريع عمليات تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط والغاز في تسيير عجلة الاقتصادات المحلية، من المؤكد أن تؤدي تلك التوجهات لزيادة التعاون بين الصين ودول المنطقة.

وفقا لأحدث تقرير صادر عن شركة "ستراتيجي آند ميدل إيست"، فإن توسيع التعاون الرقمي بين دول الخليج العربي والصين يمكن أن يوفر 600 ألف فرصة عمل متعلقة بالتكنولوجيا في دول مجلس التعاون الخليجي بحلول عام 2030، ويضيف 255 مليار دولار أمريكي (119 مليار دولار في السعودية وحدها) إلى الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي.

وفي إطار الحديث عن الاقتصاد الكلي، من المتوقع أن يعلن مؤتمر الحزب الشيوعي عن مبادرات جديدة لدعم تعافي نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبلاد، عبر تخفيف القيود المتعلقة بـ"كوفيد-19" ومن خلال المزيد من إجراءات التحفيز المالي والنقدي في العام الجديد. طبعا إذا سارت الأمور في اتجاه رياح مبادرات القيادة الصينية فان ذلك يعد خبرا سارا للدول المصدرة للنفط.

تعتبر الصين إلى حد بعيد أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، وتراقب الأسواق الاتجاهات في مستويات وارداتها عن كثب، كما أن السوق الصينية قد تمثل نحو 30% من النمو العالمي العام المقبل (حسب توقعات مؤسسة "فيتش" العالمية)، مما يوفر ركيزة أساسية لدعم أسعار النفط للعام المقبل وربما لسنوات قادمة.

في الحقيقة، يمكن القول إن الصين قد تصبح نقطة مضيئة في سوق النفط العالمية، حيث من المتوقع أن يتسارع نمو الطلب على النفط العام المقبل، وسط تباطؤ الاستهلاك في العديد من الأسواق الأخرى.

أخيرا وليس آخرا، تتوخى الخطط الصينية الحالية تحقيق ذروة الانبعاثات بحلول عام 2030، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060.

من أجل تحقيق هذه الأهداف، تركز الإصلاحات التي قد يتبناها مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني على تسريع توليد الطاقات المتجددة، حيث استثمرت الصين مئات المليارات من الدولارات في هذا المجال، ومن المنتظر أن تستثمر مثلها خلال العقد القادم، مما يجعلها من الدول الرائدة في هذا القطاع.

مجال الطاقة النظيفة (خصوصا الشمسية والرياح) من المؤكد أن يفتح مجالات أكبر للتعاون بين بكين ودول الخليج في المرحلة المقبلة، خصوصا السعودية والإمارات.

الخلاصة أن العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول الخليج في الوقت الراهن قوية ومزدهرة، ومن المؤكد أن تتعزز خلال السنوات القادمة، لكن التوجهات الأمريكية نحو التشدد في تطبيق القيود والضوابط في التعامل مع قطاع التكنولوجيا في الصين قد تلقي بظلالها السلبية على تعاون بكين مع العديد من المناطق، بما في ذلك الشرق الأوسط في هذا القطاع.

ويمكن القول إن السيناريو الأسوأ في هذا السياق أن تلجأ الولايات المتحدة إلى الضغط بشكل متزايد على شركائها حول العالم "لاختيار أحد الجانبين"؛ أي بينها وبين الصين.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com