تهجين النظام وتدجين المعارضة في سوريا
تاج الدين عبد الحق
حتى لو توصل الروس والأمريكان إلى اتفاق بشأن سوريا ، فإن هذا الاتفاق -إن حدث - لا يعني أن الحل السياسي بات قريبًا ، وأن الخروج من نفق الأزمة المظلم بات وشيكا .
صحيح أن مفاتيح الحل بيد واشنطن وموسكو ، إلا أن الأزمة ليست في اتفاق النظام والمعارضة فقط ، بل في وجود أطراف مؤهلة داخل النظام أو داخل المعارضة للانخراط في قيادة المرحلة الانتقالية التي يُجرى التفاوض عليها والتباحث حولها .
فالرئيس بشار الأسد ليس وحده من سيمثل النظام ، بعد أن ظهرت مؤشرات كثيرة على أن موسكو لن تتمسك به كطرف نهائي ، وأنها مستعدة للبحث ببدائل مقبولة في مرحلة ما .
وتهجين طرف محسوب على النظام ، ومقبول من المعارضة مهمة صعبة ، في بلد يحتكر فيه الأشخاص السلطة ، لتكون تعبيرًا عنهم وعن مصالحهم ، أو طوائفهم كما في الحالة السورية .
في المقابل فإن اختيار طرف يمثل المعارضة ليس أمرًا سهلاً ، بل يتطلب نوعا من التدجين لبعض القوى الفاعلة في الميدان ، خاصة في ظل توزع القوة العسكرية والسياسية بين أطراف لا يحظى بعضها بالقبول ، ولا يملك البعض الآخر صلاحيات حقيقية للتمثيل ،
واختيار ممثلين من بين صفوف نظام كهذا ، ومعارضة كتلك، يعني أحد أمرين: الدخول في عمليه مفاضلة وتقييم لتحديد من المقبول و من الممنوع من المشاركة في المرحلة الانتقالية وهي عملية شاقة ومعقدة ، لن تؤدي في ظل المعطيات الحالية إلى أي نتيجة .
الثاني: أن تكون الهيئة الانتقالية تعبيرًا عن تمثيل عريض يعكس كل القوى السياسية والعسكرية القديمة والجديدة ، عندها فإن هذا التمثيل هو تكريس للانقسام الميداني والسياسي ، وتأمين المكتسبات لكل الأطراف ، سواء أكانت هذه المكتسبات على شكل مناطق نفوذ أم مواقع في السلطة .
ومثل هذه الصيغة لن تكون قادرة على تغيير الواقع الحياتي في سوريا وقد تتعمق الأزمة ويطول أمدها ، للدرجة التي تتشكل فيها وقائع سياسية على الأرض غير تلك التي بدأت عندها مفاوضات المرحلة الانتقالية ، إن حدثت .
والواضح أن الولايات المتحدة وروسيا على وعي بصعوبة الاتفاق حول المرحلة الانتقالية، وصعوبات تنفيذه ، وأقصى ما يمكن توقعه هو تبريد الأزمة ، والخروج من ظلالها القاتمة، بفرض نوع من وقف إطلاق النار على الأطراف المتصارعة في الميدان ، وجعل ذلك جواز اعتراف بها للمشاركة في المفاوضات، أو مبررًا لعزل القوى الرافضة ومنعها من تعكير أجواء أي توافقات تتوصل لها الأطراف المختلفة المنخرطة في النزاع وبين القوى .
شحنة التفاؤل التي سرت لدى البعض بقرب الخروج من ظلام الأزمة إلى فضاء الحل ، لا تستند إلى تغيّر كبير في المعيطات ، بقدر ما تعبر عن إحساس بأن آثار الأزمة لم تعد محتملة سياسيًا ولا مقبولة أخلاقيًا ، وأن النفخ فيها محرج للقوتين الكبريين اللتين ظهر واضحًا ، أنهما وحدهما من يملك مفاتيح الحل ومن يتحكم بمسار التسوية .
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز