مفهوم الإسلام عبر تاريخه (1)

مفهوم الإسلام عبر تاريخه (1)

قد تصبح بعض المفاهيم البديهية الواضحة المتداولة، معقدة عند محاولة تعريفها.. فاصطلاح الإسلام بدهي، لكنه من أكثر المفاهيم تعقيدا وعسرا عند محاولة تحديد مفهومه؛ لتفرق سبل تعريفه عند الكثيرين، وتباين طرق المسلمين وغيرهم من المهتمّين بشأنه تأويلا..

نشأ الاختلاف والتأويل فيه من اللحظة الأولى التي توفّي فيها النبيّ، وقبل أن يدفن بقبره، فنشأ لغط حول شرعيّة من يخلف رسول الله..

وكان انقطاع الوحي بعد موت النبي منفذا لرحلة طويلة من التأويلات البشرية، ومع انحسارها في أول الأمر، إلا أنها تطوّرت مع تطور أزمات الخلاف، حتى تحوّلت إلى محن عقدية وسياسيّة، ربما بدأت سلميّة، لكنها تحولت بعد ذلك إلى توتر وتحزب وصراع وعنف دمويّ..

وتجلّت ملامح تلك الأزمات بصورة أكبر عما قبل، حتى فتحت أبوابها عبر العنف والدموية بدءا بمقتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ثم بمقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفاّن، ثم تولّدت عن هذه الحادثة فتنة عظيمة بين المسلمين، لا تزال آثارها ممتدة إلى يومنا هذا..

لقد تفرق المسلمون إلى طوائف وشيع؛ فمنهم من نسب نفسه إلى السنّة والجماعة، ومنهم من تشيّع لأهل البيت، ومنهم من انتسب إلى الخوارج، ومنهم إلى المرجئة، ومنهم إلى التصوّف، ومنهم إلى المعتزلة، ومنهم إلى الأشاعرة... إلخ.

وهكذا تعدّدت الطوائف الإسلاميّة وتكاثرت حتّى أصبح عدها أمرا عسيرا، وفي ظلّ ذلك التكاثر والانقسام المستمرّ، ظلّ كلّ فريق متشبثا بتأويله وفهمه للنصّ القرآني والسنّة النبويّة التي اعترى جمعها كثير من عوارض الحفظ والنقل البشرية وعوارض الاختلاق المقصودة بجهل أو هوى أو فساد، فكان كل يدّعي أنّه المحق، وربما اتهم من خالفه بالفسق أو البدعة أو الكفر..

لقد أضاف الاختلاف في طرق إثبات نصوص السنة مع المسالك التأويليّة المتعددة، مزيدا من الاختلافات والقراءات المتعدّدة للنصّ القرآني والنبوي، وتولد عن كل ذلك كثير من الصراعات المؤلمة بين تلك الطوائف وأتباعها، في مسائل شتى..

من ذلك: تطور الخلاف حول الخلافة، والخلاف حول الذّات الإلهيّة؛ تشبيها وتجسيدا وتجريدا، والخلاف حول القرآن هل هو مخلوق أم قديم، والخلاف حول القدر والجبر، والخلاف حول آليات التأويل، وأولويّة النصّ أو العقل في فهم أحكامه..

ولم يخل التعصب الفقهي من تكريس الفرقة معنويا وماديا من تأثيره في جسد الأمة، ومَن قرأ التاريخ عرف ما أحدثته تلك الطوائف من آثار سلبية في الأمة، وحينها لن يستغرب ما يعيشه المسلمون اليوم من فرقة وتمزق، فضلا عما جلبه دعاة التطرف المعاصرون من مظاهر جديدة في تشريع العنف بدعوى الدّفاع عن الإسلام، حتى أشبه حالهم حال الصائل مع المسلمين المسالمين الذين يدافعون عن حقّ الآخر المختلف..

وما زال مشرعو العنف يتخذون مسارات مختلفة من التأويل ويدعمون رؤيتهم بالشّواهد النصّية، والسّيرة النبويّة والأقوال، وكل يدّعي الصواب، وكلّ طرف منهم ينطق باسم الإسلام، ويزعم أنه المعبر عن حقيقته.

إن الجماعات التي تشرعن عنفها باسم الإسلام اليوم، ليست سوى امتداد لحركات الثورات والاحتجاج القديمة التي قامت على امتداد التاريخ الإسلاميّ، فهي دوما تعلن الاحتجاج وتؤججه ثم تعلن الخروج على الحكّام باسم الدين المقدّس، وإن اختلفت المقاصد، وتبدّلت الغايات، بحكم تغيّر الحاجات الإنسانيّة، وانفتاح العالم بعضه على بعض؛ إلا أن الدّين كان وسيلة لتبرير تلك الثّورات التي شهدها التّاريخ الإسلاميّ.

لقد كانت الحروب القديمة محدودة التأثير، أما اليوم فتوسعت ساحاتها وآثارها جدا داخل العالم الإسلامي وخارجه.

ومن آثار ادّعاء جماعات العنف احتكار الإسلام، وتبرير عنفها بالإسلام، وتحميل المسلمين المسالمين آثار الانتماء إلى دين عنيف يحارب الاختلاف، ويعيد صور قتل الجاهلية والقرون الوسطى إلى العصر الحديث، أن الاختلاف أمر وارد، والتعامل معه بصورة نافعة أمر ممكن، ولكنه حين يتحول لوقود يمزق جسد الأمة وقوتها، فإن ذلك يعني أن هناك خللا أخلاقيا بين المختلفين عليهم أن يتداركوه إذا كانوا يرجون الله والدار الآخرة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com