أيمن الصفدي
حكومةٌ جديدةٌ في مرحلةٍ سمتها جسامة التحدّيات ووضوح المهمّات في آن.
على رأس التحدّيات وضعٌ اقتصاديٌّ ما عاد يحتمل التلكّؤ في معالجته. وفي مقدّم المهمّات إجراء انتخاباتٍ نيابيةٍ يريدها جلالة الملك، وتحتاج المملكة أن تكون، نزيهةً شفّافةً تأخذ العمل البرلمانيّ إلى نوعيةٍ أنضج وأصوب منهجيةً في الأداء.
كالعادة، رافق تشكيل الحكومة كلامٌ كثيرٌ بعضه مرحبٌ وغيره منتقدٌ غير راضٍ. وهذا طبيعيّ. ومعايير التقويم تبقى في كثيرٍ من الأحيان مطّاطةً غير موضوعيّة الأسس والدوافع. وهذه حالٌ ستدوم إلى أن تتحقّق رؤية جلالة الملك تشكيل الحكومات من أحزابٍ تملك الأكثريّة النيابيّة.
لكن كالعادة أيضاً، ستخبو جاذبيّة الحديث عن التشكيلة الحكوميّة قريباً. وتدرّجيّاً ستفرض إدارة الحكومة للملفات الضاغطة نفسها معياراً لتقويم الوزارة الجديدة. وثمّة فرصٌ كبيرة أمام الحكومة لبناء تقويمٍ إيجابيّ عبر أداءٍ مقنعٍ، في ضوء وضوح المهمّات التي حدّدها لها كتاب التكليف السامي.
يعرف رئيس الوزراء الجديد ذلك. فالدكتور هاني الملقي راكم خبرةً طويلةً خلال مراحل عمله وتحملّه مسؤوليّات ملفّات صعبةٍ على مدى عقود. وهناك مبررٌ للاعتقاد بأنه سيقارب الأمور بعملانيّة وفاعليّة.
المهمّة الأسهل للحكومة يجب أن تكون إيجاد البيئة اللازمة لإجراء انتخاباتٍ يقتنع الناس بنزاهتها وحياديّتها. وهذا يتأتّى عبر دعم الهيئة المستقلة للانتخاب، الموكل إليها دستوريّاً عمليّة إدارة الاقتراع. تسهم الحكومة بنجاح العمليّة بتيسير عمل الهيئة وتزويدها الإمكانات العمليّة التي تحتاج، وبإيجاد بيئةٍ إيجابيةٍ تدفع السجال العام نحو الطروحات العمليّة البرامجيّة وتحفّز المواطنين على المشاركة في الانتخابات.
معالجة الوضع الاقتصاديّ لن تكون بالسهولة ذاتها. ورثت الحكومة حالاً اقتصاديةً مُتعَبةً لن تخرج المملكة منها من دون تبنّي استراتيجيّة عملٍ شموليّة تركّز على جذب الاستثمار وخلق فرص العمل. نسبة الدين الخارجيّ إلى الناتج المحلي الإجمالي وصلت 93 %، ونسبة النمو الاقتصاديّ المتوقعة لن تصل إلى 3 %. أضف إلى ذلك معدّلات البطالة المرتفعة، ومعاناة قطاع الصادرات نتيجة الظروف الإقليميّة.
لا تملك الحكومة حلاً سحريّاً لهذه المشكلات وليس مطلوباً منها ذلك. فطريق المعالجة طويلةٌ وصعبة. يعرف الملقي المشكلات، ومتوقعٌ منه أن يقدِم وفريقه الاقتصادي على وضع خطّة عملٍ تنفَّذ وفق استراتيجيةٍ متكاملةٍ تتصدّى لمهمّة المعالجات الهيكليّة في البنية الاقتصاديّة رغم صعوبة تسويقها شعبيّاً.
وهنا تعني "متكاملة" أيضاً الالتفات إلى الإدارة السياسيّة للمعالجة الاقتصاديّة. سيعتمد نجاح الحكومة في تنفيذ خططها الاقتصاديّة إلى حد مؤثرٍ على قدرتها إيصال رسائل مقنعةٍ إلى الناس حول ضرورة إجراءاتها وحول فوائدها. وهذا يتطلّب البدء بطرحٍ صريحٍ يوضّح الصورة كما هي، ويضع أهدافاً محددةً يُمكن قياس التقدّم نحوها وفق معايير زمنيّةٍ معلنة. الوضوح في الأهداف، والشفافيّة في الأداء ضامنان لثقةٍ أكبر وبالتالي لتقبلٍ أوسع لبرنامجها الاقتصادي.
فإضافةً إلى معالجة الاختلالات الهيكليّة، ثمة حاجةٌ لحوارٍ يصحّح انطباعاتٍ مغلوطةٍ حول جوانب رئيسة من أدوات تحسين الاقتصاد، مثل تطوير تنافسيّة البيئة الاستثماريّة. يعرف المختصّون أنّ جلب الاستثمارات الخارجيّة يمثل السبيل الوحيد لتلبية الحاجة المتصاعدة لفرص العمل. لكن كثيرين ما يزالون يحاربون ذلك في الكلام العام وحتّى في الممارسات التي أدت إلى خسارة المملكة الكثير من الاستثمارات الخارجية. إطلاق حوارٍ عام يعدّل الانطباعات المغلوطة، ويتوجّه إلى الناس بخطابٍ مبنيٍّ على معلومات وحقائق أساسيٌّ في نجاح عمليّة الإنقاذ الاقتصاديّ التي سيكون على الملقي بدؤها لحماية البلد من الأسوأ.
ولا صحّة لفرضيّة أنَّ الحكومة انتقاليّة غير مطلوبٍ منها أن تخطّط لما بعد الانتخابات. ليس في الدّستور مايفرض أن تكون الحكومة انتقاليةً، ولا يتضمّن كتاب التّكليف أيّ إشارة إلى ذلك. مصير الحكومة بعد الانتخابات سيكون محكوماً بتقويم جلالة الملك لأدائها، وبقاؤها أو ذهابها بعد التئام المجلس سيكون مرتبطاً بتصويته عليها.
ورغم صعوبة الظروف التي تتحمّل وسطها مسؤوليّتها، تملك الحكومة فرص إحداث فارقٍ. ولا شكّ أنّ تجربة الملقي وخبرته تطمئنان إلى أنّه سيدفع العجلة بالاتّجاه الصحيح، خصوصا إذا ما اعتمد الوضوح والشفافيّة في إجراءاته، وإذا ما عمل طاقمه الوزاريّ فريقاً منسجماً.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز