لـ "دواعٍ أمنية"لـ "دواعٍ أمنية"

لـ "دواعٍ أمنية"

غادة خليل

في ظل تصاعد الخوف من الهجمات الإرهابية التي اجتاحت القارة الأوروبية مؤخرًا، يسير المواطنون في ريبة وخوف دائمين، فربما حقيبة يد تركها صاحبها ليحكم عقدة رباط حذائه كافية لزلزلة كيان المارة وزعزعة استقرار الشارع، حتى ولو للحظات..

هذا ما حدث معنا - انا وإحدى صديقاتي- مؤخرا عندما ذهبنا لنستقل أحد القطارات في العاصمة الاسبانية مدريد، فبعد أن دخلنا محطة القطارات وذهبنا للرصيف الذي وصل القطار اليه بالفعل، قرعت أجراس الخطر في المحطة بأكملها، صفارات انذار متتالية تصطحبها اضواء حمراء اللون في كل مكان، وفي تلك اللحظة أطل علينا صوت إحدى العاملات في المحطة -عبر مكبر الصوت- وهي تصرخ قائلة :

"على السادة الركاب إخلاء المحطة في الحال.. لدواع أمنية”

أشعر وكأن اصداء صوت تلك المرأة تتناهى الى أذني وأنا أكتب هذه الكلمات، صوت مائل للبكاء الممزوج بالخوف الشديد.. نعم، إنها حالة هستيرية مكتملة الأركان

في تلك اللحظات كنت أرى الناس وهي تخرج متزاحمة ومسرعة، حتى أن كبار السن كانوا يركضون من شدة الخوف.

سرح خيالي وقتها في سيناريوهات عديدة، كنت أكاد أرى اذرعا تتطاير وجثثا تلتحم بحديد القطارات وهي غارقة في برك الدم المنتشرة في كل مكان

نعم، انه ما اعتدنا على رؤيته مؤخرا وربما لم نتوقع ان نتواجد في مكان قد يحدث لنا فيه نفس الشيء أو على الأقل تتعرض فيه لنفس تلك المأساة النفسية.

خرج الجميع مسرعا من المحطة، حتى أن الركاب الجدد بدلا من النزول على السلالم الكهربائية كانوا يركضون عليها ضد التيار ويتدافعون للخروج من المكان بأسرع وقت.

خرجت بالفعل، وبقيت اتأمل المحطة من بعيد وأنا اتوقع انفجارا في أي لحظة، لكن بعد مرور نصف الساعة بدأ الركاب بالنزول إلى المحطة من جديد، وكأن شيئا لم يكن.

نعم، لقد كان تنبيها خاطئا، لكنه خلّف وراءه موقفا لا ينسى ..

انها لحظات لا تذكر، قد تكون هي الفاصل بين نجاتك وبين تطاير اشلائك في الهواء، دقائق معدودة قد يتحول فيها كل شيء الى لاشيء..

ويبقى التساؤل مشروعا..الى متى ستظل سرقة الابتسامة واغتيال الطمأنينة أمرا مباحا..

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com