ورق العنب
ورق العنبورق العنب

ورق العنب

شيماء يوسف

على مواقع التواصل الاجتماعي أقرأ دائما تذمرات من سيدات بسبب إعداد طبق ورق العنب اللذيذ لأنه من الأطباق التي تستغرق وقتا وجهدا في إعدادها وفي المقابل أرى صورا كثيرة تنشرها ربات البيوت لأطباق ورق العنب التي تعدها في البيت والمزينة بشرائح البندورة والليمون وتذيلها بالعبارة المعتادة " صنع إيديه وحيات عينيه"، فيما تتبارى الكثير من المطاعم في الترويج لخدماتها ومنها توفير الأكل المنزلي الذي لا تجيده سوى ربة البيت الحاذقة ومنه محشي ورق العنب أو كما يطلق عليه في بعض البلدان " ورق الدوالي".

أنا من قائمة النساء المتذمرات من هذا الطبق؛ لأنه يستغرق وقتا وجهدا لا يتوفران حاليا لدى معظم ربات الأسر العاملات، كما أن مواصفات اتقانه لا تحسنها الكثيرات؛ ما يفتح الباب للانتقاد والسخرية أحيانا كأن تقول إحدى الحموات وهي تشنّع على كنتها: لم يكن هناك "أصبع مغلقة" من اصابع ورق العنب، فكل الأصابع التي قامت بلفها أفلتت منها حبات الأرز والتصقت بالجوانب في منظر لا يشيع الرغبة بالالتهام، أما اصابع العنب التي تعدها الحماة فهي تبدو كأنها الصقت بلاصق قوي بحيث لا تبدو من طرفها لو نصف حبة الأرز، أما الرجال حين يريدون التغزل بجمال صبية ورقتها فهم لا يجدون غير أصابع ورق العنب للوصف والتشبيه والاستعارة فيقولون إن "أصابعها رقيقة ونحيفة ومستقيمة مثل اصبع ورق العنب" أما اللمعان الذي تتميز به اصابع ورق العنب فهذا هو سر الطبخة حيث تضيف المرأة الماهرة في المرحلة الأخيرة من طهيه القليل من زيت الزيتون؛ ما يجعل الأصابع تبدو لامعة براقة تسيل اللعاب مثلها مثل اصابع الصبية التي تلمع دليلا على العز والترف اللذين تربت عليهما.

اذن فان معايير الإجادة من عدمها صعبة وحازمة وقاهرة بالنسبة لكل امرأة تجازف في إعداد طبق العنب اللذيذ والشهير والذي يحبه الرجال خصوصا ويتهكمون على صنيع النساء له بأنهن يستغرقن الساعات في تجهيزه ولفه ليأتي الابن المراهق أو الزوج النزق من الخارج فليتهم طبقا مرصوصا بالأصابع الشهية في أقل من دقيقة، ولكن النساء لم يصمتن أمام هذه الاستهانة بمجهودهن أو السخرية من قدرهن الذي أوقعهن في شرك إعداد ورق العنب فتخرج فتاة شقية سليطة اللسان لتكتب على حسابها الخاص في موقع " فيس بوك" : إذا كنا نحن جنس حواء نتعب في لف ورق العنب لساعات ويلتهمه الرجل في دقائق، فالرجل يقضي عمره في جمع المهر وتنفقه المرأة خلال ساعة عندما تقوم بلفة سريعة على محال المصاغ والملابس والعطور والماكياج.

اذا كانت المرأة تدافع دفاعا مستميتا عن تعبها في إعداد أكلة لا تستغرق دقائق في الالتهام فهي لم ترجع لجذور هذه الوصفة وبأنها السبب في اختراعها حيث تروي الأساطير أن رجلا جلس تحت دالية العنب يتأمل أوراقها الخضراء المتشعبة ولا يشعر بما حوله فاعتقدت زوجته أن أمر امرأة أخرى يشغله فسارعت لقطف هذه الأوراق وأعدّت منها محشي البرق كما يطلق عليه في تركيا حيث حشت كل ورقة بخليط من الرز والخضار واللحم ، وهكذا فقد كان صنيع يديها الذي أورثته لأجيال من النساء بعدها عقابا لها على سوء ظنها.

ولكن إحدى نظريات فرويد تأتي لتدعم موقف المرأة التي اخترعت أكلة ورق العنب وتؤكد أن هذه الأكلة كغيرها من الأكلات التي تتفنن المرأة في إعداها وتستغرق وقتا طويلا وجهدا اضافة للكلفة الطائلة والتي يجتهد الرجل في توفيرها عملا بالمثل : (اطبخي يا جارية) ، فترد الجارية : "كلف يا سيدي" فالنظرية العلمية الأكيدة تقول إن الرجل يثار بالنظر والمرأة تثار باللمس وقد تنبهت المرأة لذلك منذ القدم وتفننت في تقديم اصناف الطعام للرجل واستخدمت المرأة البسيطة مصطلح أن العين تأكل قبل الفم والرجل فهم طبيعة المرأة فجعل جسدها يلامس الحلى والمجوهرات وافخر الثياب التي ينفق عليها مبالغ طائلة لينال رضاها، إذن هي معادلة متكافئة الطرفين.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com