الدور السياسي للجيوش الوطنية
الدور السياسي للجيوش الوطنيةالدور السياسي للجيوش الوطنية

الدور السياسي للجيوش الوطنية

غادة خليل

القاعدة أن الجيوش الوطنية مؤسسات احترافية تحمى حدود البلاد و تضمن إرادة و كرامة شعبها و لا علاقة لها بالشأن السياسي ،لكن في أوقات الخطر و تصاعد المحنة العاصفة و تخاذل القوى الحزبية و المدنية ، لا يكون أمام الشعوب سوى جيوشها التي تتطلع إليها كمنقذ وملاذ أخير للخلاص .

و يعد ما حدث في مصر بتاريخ ٩ سبتمبر ١٨٨١ مثالا قويا على ذلك و علامة فارقة في علاقة المؤسسة العسكرية بالشأن السياسي. كان هذا اليوم مثالاً لاقتراب الصفوة العسكرية من مواقع العمل الوطني السياسي، في مواجهة قيادة سياسية تتسم بالتردد والضعف متمثلة في شخصية الخديوي توفيق.

كان ظلم توفيق واستهانته بالمصريين عمومـًا، وجيشهم الوطني الذي بذل معظم قادته جهودًا هائلة للحفاظ عليه بعد محمد علي، قد بلغ المدى؛ ولذا وجد أميرالاي أحمد عرابي أنه لا مفر من مواجهة الخديوي، واتفق معه معظم قادة الجيش ونخبة مجتمعية حلمت بمصر حُرة مستقلة عادلة، ففجروا أولى الثورات الوطنية الديمقراطية، التي تواصلت حلقاتها مصريا بعد ذلك في مارس ١٩١٩، ويوليو ١٩٥٢، ويناير ٢٠١١ ثم يونيو ٢٠١٣، كما يلاحظ الباحث و الكاتب د. ياسر ثابت .

بدأ عرابي تحركه برسالة إلى نظارة الجهادية (وزارة الحربية ثم الدفاع بعد ذلك) لإبلاغها بأن آليات الجيش ستكون في ميدان عابدين في الساعة التاسعة من ذلك اليوم وفقـًا لما سجّله الشيخ محمد عبده في مذكراته.

كما كتب عرابي إلى الخديوي شخصيـًا، وإلى قناصل الدول المعتمدين في مصر ليطمئنهم بأن "الغاية داخلية محضة لطلب أمور عادلة، فليكونوا مطمئنين على أرواح رعاياهم وأموالهم وأعراضهم".

وصف محمد عبده المشهد المهيب في ذلك اليوم عندما "وصل عرابي وهو ممتط جواده شاهر سيفه ويحيط به عشرة من ضباطه كحرس له". وما كان للخديوي إلا أن يخرج إلى شرفة القصر في حراسة مشددة، فسأل عرابي عن سبب حضوره، مع تذكيره بأنه هو الذي رقاّه إلى رتبة أميرالاي. فواجهه عرابي بقوة وثبات الضابط الوطني المصري المعجون بطين بلده، وقال له: "جئنا يا مولاي لنعرض عليك طلبات الأمة وطلبات الجيش، وكلها طلبات عادلة" فقال الخديوي : وما هي هذه الطلبات؟ فقال له عرابي -حسب مذكراته- ما نصه: "إسقاط الوزارة المستبدة، وتشكيل مجلس النواب على النسق الأوروبي، وزيادة عدد الجيش إلى القدر المعين في الفرمانات السلطانية، والتصديق على الفرمانات العسكرية السابق أمركم بوصفها".

وبذلك أصبحت الصفوة العسكرية صفوة عسكرية- سياسية تنوب عن الأمة في عرض مطالبها لدرجة أنها تقدم مطالبها على المطالب العسكرية.

وهكذا فقد أصبح عرابي ورفاقه حينها في موقفٍ يسمح لهم بمناقشة حاكم البلاد وإملاء شروطهم عليه، بل واختيار القائمين على الجهاز التنفيذي، وكان ذلك أول انتصار واضح للنخبة العسكرية في مواجهة تردي الصفوة السياسية.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com