لا حربَ  برية  في سوريا
لا حربَ برية في سوريالا حربَ برية في سوريا

لا حربَ برية في سوريا

موفق محادين

ما من دولة في العالم تأخذ قرار الحرب أو الاشتراك فيها ، دونما مسوغات ومعطيات (استراتيجية) كافية بالنظر الى الوزن النسبي لكل من هذه المعطيات في لحظة تاريخية محددة

فمهما كان ضغط بعض العوامل والاعتبارات وضرورته التكتيكية ، الا ان الوزن النسبي لهذه العوامل من الزاوية الاستراتيجية قياسا لمجمل المقاربات الاخرى ، هو الذي يمنحه هذه القيمة او تلك

ومن المؤكد ان الاعتبارات التي تساق عبر الاعلام ، لا تنتمي الى هذه الحسبة ولا تكفي لوحدها للانخراط في حرب من هذا الوزن .

ويعرف المراقبون ان كل ما يقال ويطرح من مسوغات عبر الاعلام ابعد ما يكون عن لعبة (القواعد الحاكمة) في الصراعات الحاسمة ،وذلك بصرف النظر عن تشخيص وتقييم هذه المسوغات ومرجعياتها الايديولوجية والسياسية والموقف منها .

ومن ذلك ان ( المدرسة الامريكية الكبرى ) في تغطية حروب القرن باسم الديموقراطية وحقوق الانسان والشرعية لم تخض حربا واحدة من اجل ذلك بل غالبا ما كرست قوى غير ديموقراطية ومفروضة بالقوة .

وفيما يخص صراعات الشرقين العربي والاوسط ، فلا صراعات تضاهيها من حيث التعالقات والتداعيات والاحتمالات المعقدة التي دفعتها في كل مرة ، من حيث تشاء او لا تشاء الى افاق غير محسوبة

ومن ذلك ما يتعلق بالمشهد السوري وتشابكاته الداخلية والاقليمية والدولية ، السياسية والاقتصادية والايديولوجية ، بل ان هذا المشهد هو الاخطر من حيث التداعيات والمفاجآت وانعكاسها على مسرح التاريخ ، بقاء او انسحابا او غيابا

فمصير العديد من القوى الاقليمية وكذلك الدولية بين القوى الصاعدة والقوى الهابطة والقوى المضطربة ، بات يتحدد في ضوء هذا المشهد والحذر و ( الحساسية) السياسية لكل الاحتمالات كما لمكر التاريخ الذي لا يقبل التسويات والقسمة على طرفين .

فعلى اهمية كل الساحات في الحرائق التي تجتاح المنطقة ، فإن المشهد السوري مشهد كحد السكين للاطراف جميعا بالنظر لتاثيراته الجيوبولوتيكية على القواعد الحاكمة للعبة الامم ومصائرها بين ( حروب تلد اخرى) وحقب تتوارث سابقاتها ( الغاز والنفط ) وبين البحار الخمس التي تعج بثروات العالم واسواقه ( الخليج – الاحمر- الابيض- الاسود وقزوين)

وكما القوى الدولية ، فإن البلدان الاقليمية مثل ايران وتركيا والسعودية ومصر والعدو الصهيوني باتت تراقب ما يحدث في سوريا بعين استراتيجية تنعكس على مصيرها على رقعة الشطرنج.

ولا تقتصر الجيوبولوتيك السورية على توصيفها المعروف في التاريخ العربي منذ بني امية الى يومنا هذا بل تمتد الى الاقواس الثلاث وموقعها حول البحار المذكورة :

1. القوس الاسيوي (الايراني – التركي) المعروف بقوس التصدع

2. القوس البلقاني الذي يربط الاول بدائرة اوسع من شرق اوروبا الى القرم

3. القوس الاوراسي ، المركز الاساسي للبريكس والذي يمتد الى شرق المتوسط ، حيث المياه الدافئة وحيث تندفع روسيا اليوم

كل ذلك وبقدر ما يغري بالتدخل البري ورائحة الحرب ، بقدر ما يتطلب حصافة وحذرا ومسؤولية استثنائية ، ذلك ان اية خطوة غير محسوبة او مثقلة بالتداعيات و الاعباء الصغيرة ليست مثل زوبعة في فنجان تحمل ما يكفي من رسائل عابرة سرعان ما تتخطاها الاحداث .

فخطوة غير محسوبة في لعبة استراتيجية اقرب ما تكون الى لعبة الروليت الروسي التي تناسب عالم الروايات والسينما اكثر ما تناسب السياسة والوقائع والمصائر الكبرى.

هكذا فإن الاعتبارات التي يسوقها الاعلام ، سواء كانت سياسية او ايديولوجية ، كذلك الالتزامات الصغيرة او المخاوف المماثلة او ردود الفعل على التحولات الميدانية ، ليست هي من يحدد الانخراط من عدمه في الحرب البرية في سوريا ، بل حسبة اخرى ، مختلفة تماما عن حسبة العجولين والوكلاء الذين فشلوا على الارض في العمل على ايقاع الاصلاء ..

وهي حسبة لا مكان فيها لرسائل الاطمئنان لهذه الجماعة او تلك ، فذلك لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يباع ويشترى في سوق السياسة

من جهة اخرى ، فإن شروط التدخل البري ، كنقلة على رقعة شطرنج استراتيجية، شروط مستحيلة دون الولايات المتحدة ، التي تقترب من البيات الشتوي الشرق اوسطي مع انطلاق مناخات وتحضيرات الانتخابات الرئاسية ، والتي لا ترحب ايضا باية نقلات على الرقعة تشرك معها احدا ..

ومما يجعل الحرب البرية صعبة وغير محتملة ، ان الساحة والقوة الرئيسية المعول عليها للتسهيلات اللوجستية ، وهي تركيا ، ليست في وضع مثالي يسمح لها بحصاد مأمون العواقب لهذا التدخل .

فمنذ حروب القرم القديمة لم تشهد العلاقات الروسية - التركية توترا كما هو اليوم مع فارق كبير هو ان روسيا التي دعمت اتاتورك ضد الانجليز و الفرنسيين، لتوحيد تركيا ، هي اليوم عدو لها وتستقبل الاكراد في موسكو وتوسع قواعدها على حدودها مع سوريا .

ولم يعد الاكراد ، مجرد بند برسم التوظيف على قوائم سيفر او لوزان بل قضية دولية مسنودة بحاضنة شعبية لتنظيم مسلح في قلب تركيا وعلى حدودها .

ويشار كذلك الى مكر التاريخ الذي عرفته تركيا سابقا بسبب ازمة مع سوريا ، فما ان اعتقدت حكومة عدنان مندريس الاسلامية في خمسينيات القرن الماضي ان الجيش معها اذا ما قررت اجتياح سوريا ، حتى ادار الجيش ظهره لها واطاح بها

اما الاخطر من كل ذلك ، فهو ان تمارس ضغوط كبرى من اجل تدخل بري ليس هدفه سوريا ، بل الحاق دول مثل السعودية بقائمة البلدان المطلوب تمزيقها عبر استنزافها في حربين ، في اليمن والشام ، والذريعة لذلك ترن اليوم في اذان بعض المنابر ومفادها انه ليس علينا انتظار نجاح الجمهوريين او صقور الحزب الديموقراطي ، حيث يكون الملف السوري قد قطع شوطا كبيرا على غير ما تريد الرياض وحلفاؤها.

ولكن في اية ظروف تساق هذه الاعتبارات : نفاق امريكي مشغول بالانتخابات، اضطراب تركي وحلف متماسك في السماء وعلى الارض ( روسيا وسوريا وحزب الله وايران)

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com