زميلتي العزيزة بسمة فارقتها "البسمة"
زميلتي العزيزة بسمة فارقتها "البسمة"زميلتي العزيزة بسمة فارقتها "البسمة"

زميلتي العزيزة بسمة فارقتها "البسمة"

أسامة إمام

قررت أن أذهب إلى مصلحة حكومية لاستخراج أوراق مطلوبة مني للتقدم إلى وظيفة جديدة، وحينما بلغت الموظفة المسؤولة –وبالصدفة- وجدتها بسمة "زميلة الدراسة" منذ عشرين عامًا، وللوهلة الأولى ظننت أنها لم تتغير، فقد كانت شعلة نشاط أيام الدراسة الجامعية، وكانت مرحة ومهذبة وسريعة البديهة، والابتسامة لا تكاد تفارق وجهها أبدًا.

رحَّبت بي وأخبرتني أن أوراقي ستكون جاهزة خلال 3 ساعات، وسأكون ضيفًا عليها خلال هذه السويعات القليلة، فسعدت لهذا، وقَبِلْتُ بشرط أن تستأنف عملها خلال فترة تواجدي.

اكتفيت بمشاهدتها وهي تساعد المواطنين في إنهاء إجراءاتهم للحصول على أوراقهم المطالبين بتقديمها إلى جهات مختلفة، وبدا عليها التفاني في أداء عملها، إلا أن أسلوبها في التعامل بدا غريبًا بعض الشيء، حيث كانت أقرب إلى لاعبة "رفع أثقال" التي تتحمل كثيرًا من الضغوط والصعوبات لإثبات نفسها، غير عابئةٍ بـ"تعبها"، حتى أنها باتت غير قادرة على الابتسام في وجه "الجمهور" الذي يتوافد إليها كل يوم، وهذا على عكس طبيعة وجهها "البشوش"، باتت وكأنها "مُجْبَرة" على فعل ذلك

سألت نفسي في حيرة، "ماذا حدث في مجتمعنا هذه الأيام؟.. تغيرت صورة "بسمة" كثيرًا عن "الماضي"، فأصبحت "عصبية"، ونسي وجهها الابتسامة التي كانت تمثل هويتها، إلا أن هذا التغير لم يؤثر على دأبها وإخلاصها في عملها كما كانت "أيام الدراسة".

نعلم جميعًا أن الأنثى هي أقوى وأرق مخلوقات الله، فهي الكائن الرقيق الذي يُجْرَح من أقل شيء، وهي من تتحمل آلام الحمل والمخاض، في حين تُبْكِي أعراض أقل ألمًا منها أقوى الرجال، وهي ذلك الكائن المليء بالتناقضات، الذي أصبح مُنْهكًا ومتعبًا، ودار في ذهني العديد من الأسئلة حتى بادرتني "بسمة" بجملة "الحمد لله.. الآن وقت الراحة لمدة نصف ساعة وبعدها تتسلم شهادتك".

وبعدها دار بيننا حوار مثل –الأيام الخوالي- وسألتها عن حالها، فإذ بصرخة ألم كامنة في صدرها تغشي على شكواها من عملها.

وبابتسامتة، قلت لها "أنتِ تعملين وأنا أعمل مثلك، فما سبب شكواكِ؟.. فأخبرتني أنها تعاني من اضطهاد المجتمع اللاإرادي لها، أخبرتني أيضًا أنها مسؤولة عن بيت يعيش فيه (زوجها وأبنائها)، وأن هذه المسؤولية تُحَتِّمُ عليها أن تبدأ عملًا آخر داخل هذ المنزل من "طهي، وتنظيف، ورعاية لأفراد أسرتها، وغيرها"، وتستأنف كل هذا بعد عودتها من عملها في "المصلحة الحكومية".

وبالطبع، إذا مَرِضَ أحد أبنائها فهي المسؤولة عن رعايته ومتابعة حالته، الأمر الذي يتسبب أحيانًا في تغيبها عن العمل، وأدى ذلك إلى تأخر ترقيات لها أكثر من مرة، وهذا ما يتسبب في آلام نفسية لا يشعر بها إلا من يعيشها، ونعت المجتمع بالمصاب بـ"انفصام في الشخصية"، حيث تطالب بأن تعمل بكامل طاقتها، وألا تُتَّهم بأنها "عالة" على العمل، وأن مالها "حرام"، وألا تكون "طامعة" بإهمالها لأسرتها.. فقلت لها: "ده حال الدنيا منذ بدء الخليقة".

فقالت: "لا طبعا، هل تذكر عندما اختلف صحابي مع زوجته، فقرر أن يشكوها إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وذهب إلى بيته الصحابي، فوجد صوت زوجة عمر مرتفع وغاضب، فتراجع الصحابي، وهو في طريق عودته وجد (عمر) يناديه ليسأله ما شكواك؟، فقال: جئتك أشكو زوجتي وشعرت أنك تعاني نفس المشكلة، فابتسم أمير المؤمنين، وقال: يا هذا إنهن زوجاتنا، إن كرهنا منهن سلوكا قبلنا غيره، إنهن يربين أولادنا، ويقمن على شأننا".

فقلت لها: "معكِ كل الحق، فإذا كان الفاروق عمر يَصْبِرُ علي زوجته -ربة المنزل- بهذا الشكل فما رأيه الآن وهي الزوجة التي تعمل جنبًا إلى جنب بجوار زوجها، فهي الخادمة والطاهية والمُدرسة والممرضة في المنزل، ثم هي الزميلة والمنافسة في العمل، وهي تتذكر كل واجباتها طوال الوقت، ثم بعد كل هذا لا تُنْسَى سوى حقوقها".

والآن، أوجِّهُ حديثي لك عزيزي القارئ: "إننا نحتاج لتطبيق حديث رسولنا الكريم -صلَّ الله عليه وسلم- قال: "استوصوا بالنساء خيرًا"، سواء في العمل كزميلة، أو في المنزل كزوجة، أو أخت.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com