مفهوم الإسلام عبر تاريخه (2)

مفهوم الإسلام عبر تاريخه (2)

 إن آثار الجناية على الإسلام والمسلمين أصبح يعيشها المسلم المسالم في وطنه، ويصطلي بحرّ نارها المسلم المغترب عن وطنه في البلدان الغربية، وأكثر بلدان الشرق المتعطشة للدين ممن عاشوا تحت ديكتاتورية الاتحاد السوفيتي؛ وكثير من بلدان أفريقيا التي يعيش فيها الكثير من المسلمين وهي تعاني من ويلات الفقر والجهل.. 

لقد أصبح شبح الإرهاب يلاحق اليوم كل عربي مسلم، حتى أصبح ضروريا التمييز بين التأويلات والأقنعة التي يحتكر بها أصحابها من المتطرفين مفهوم الإسلام، فقد يكون معقولا أن تطمح كل جماعة إلى نيل السلطة، وأن ترسم تصوّرها للدولة التي يحلم المنتمون إليها بتحقيقها..

ولكن من غير المعقول والمشروع، على الأقل في وجهة نظر المسلم المسالم، أن تحتكر تلك الجماعات النّطق باسم الإسلام كما تراه، وكأنه فصل على مقاس مقاصدها السياسية.

إن التراث الإسلامي أمر مشترك بين السنّي، والشيعي، والصوفي، والمعتزلي، والخارجي، والحزبي، وسائر المنتمين إلى الطوائف الإسلامية..

وعلى ذلك، فإن أول الاحتجاجات التي يعارض بها الدعوة الى الاعتدال هي دعوات جماعات العنف والتطرف، ومصدرها المسلمون أنفسهم؛ وضرر تلك التنظيمات المتطرفة يعود على وسطية الدين بالوبال، قبل غيرهم..

الجماعات المتطرفة أو المسلحة التي تخوض حرب الإرهاب في العراق والشام واليمن باسم الإسلام، تضع ضمن أولوياتها الإطاحة بوسطية الدين في الدول الإسلامية القائمة، وتبرر قتال المسلمين فيها، وتستبعد ولو حاليا من مخططها أيّ حرب ضد مَن يعتبر في مخيلة العربي الإسلامي، عدوا حقيقيا للأمة.

فنشهد مجاهرة جماعة ما من الجماعات المتطرفة تعلن شرعيتها باسم الإسلام، ثم تقوم بانتهاك حرمة المسلمين وقتالهم، في مظاهر تروج على الشاشات والشبكات الإلكترونية، وتفعل ما لم يفعل أعداؤهم بهم، فتكفرهم وتعتدي عليهم وتسفك دماءهم وتنتهك حرماتهم وأعراضهم وتخرجهم من ديارهم كرها، ويعدون ذلك من أولويات الإسلام لديهم.

إن نسبة ذلك إلى الإسلام، بتبرير تاريخي يقرن الممارسات العنيفة بالتراث، أو جدلي يبرر العنف الإسلامي بعنف الآخر؛ ليضفي الشرعية على عنف الجماعات التي تمزق أوصال الدول الإسلامية بدلا من توحيدها، وتتآمر مع العدو في الوقت الذي تدعي فيه أنها متمسكة بقضايا الأمة، وتغرق الأنظمة بمزيد من الأزمات بدلا من حلها، وتزيد الناس رعبا من الإسلام، بدلا من الترغيب فيه..

فأيّ إسلام يفعل هذا، ويعتدي على الخاصة والعامة في أوطانهم، ويحوّل المناطق الآمنة إلى دور حرب لا أمن فيها ولا حياة؟ وأيّ مسلمين أولئك الذين لا يتوانون عن إرهاب المسلمين؟ ومَن هي تلك الجماعات التي تزعم أنها تمثل الإسلام وهي تَعْرِضُ نفسها على المتآمرين على بلاد المسلمين ولا تضع أمامها سوى الوصول إلى السلطة والقضاء على المنافس لها؟

لقد عانى المسلمون ويلات التطرف عبر حقب من التاريخ واليوم يعيد التاريخ نفسه وفي وقت قصير، تعرض جماعات التطرف خدماتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن على المتآمر وتستقوي به، وحين تقضى مصالح المتآمرين، يُلقون بهم في مزابل التاريخ، لقد خرّبوا كل أرض تمكنوا منها، وزلزلوا كل نظام في بلاد المسلمين، فهل هؤلاء يمثلون حقيقة الإسلام؟

إن منح هذه الجماعات لقب الإسلام، إساءة له ولكل مسلم؛ فكل من يشرعن ويبرر أعمالهم الإجرامية المتطرفة، يحمل وزر ما يفعلون وعاره.

إنّ تشريع ذلك الإجرام وتبريره والسكوت عنه يصور الإسلام بأنه دين إرهاب، وأن كل مسلم إرهابي بالقوة، قد يتحول في أي لحظة إلى إرهابي بالفعل، وذاك أمر فيه مغالطة عظيمة لا ينسج شباكها إلا جماعات التطرف ومن يستخدمهم من خبثاء الساسة، الذين تعوّدوا اعتماد قناع الإسلام، لتحقيق أهدافهم السياسية.

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com