أزماتنا ومنطق "المعادلة الصفرية"
أزماتنا ومنطق "المعادلة الصفرية"أزماتنا ومنطق "المعادلة الصفرية"

أزماتنا ومنطق "المعادلة الصفرية"

أغلب أزماتنا السياسية وحِدّتها في أغلب الأحيان سواء مع بعضنا كعرب أو مع الآخر المختلف معنا هي نتيجة لتمسكنا بنظرية “المعادلة الصفرية”. مع أن تعريفنا للسياسة بأنها “فن الممكن”.

إرثنا العربي والإسلامي مليء بقواعد دبلوماسية ناجحة، على سبيل المثال نظرية “شعرة معاوية” التي تعتبر واحدة من أفضل طرق التعامل بين الحاكم والمحكوم، وكذلك في العلاقات الدولية إلا أننا نتجاهلها لا أدري إن كان ذلك تعمداً أو لأن ذاكرتنا التي تعتمد على الحفظ تخوننا عندما نبحث عن انفراجات في أزماتنا لحين تتراكم وتتعقد وتكون غير قابلة للحل، وبعدها نردد قائلين نحتاج إلى حل “من خارج الصندوق”.

تتطلب نظرية المعادلة الصفرية، أن يكون هناك رابح أو فائز واحد في مقابل أن الطرف الآخر يخسر كل شيء.

في هذا التوقيت تحديداً، فإن الحال التي وصل إليها المشهد في العراق واحدة من حالات المعادلة الصفرية، فالتيار الصدري يصعّد في مواقفه والإطار التنسيقي لا يقبل التنازل بل يزداد التشدد فيه. والواضح أن هدف زعيمي الكتلتين هو إلغاء الآخر كي يتسيد هو المشهد حتى لو أدى الأمر إلى خراب الوطن. هذا مثال فقط. لكن لو أسقطت هذا التفكير في لبنان ستجد الشيء نفسه وأيضا في الجزائر وغيرها..

الحال ينطبق على التعامل مع إقليمنا الجغرافي ومن ضمنه إسرائيل، فرغم كل الخسائر التي نتجت عن التفكير في المعادلة الصفرية إلا أننا نصر على الاستمرار في “المعادلة”، مع أن العرب هم الطرف الخاسر وفق المؤشرات والأرقام. ولو كبرنا دائرة “المعادلة السياسية” سنشاهدها يومياً حتى بين المفكرين والأفراد، حيث الكل يقصي الكل. الإسلامي يرى من المهم أن يختفي الليبرالي، والليبرالي يجزم بأن سبب التخلف العربي هو أفكار الإسلاميين والقوميين.

الفكرة أن التصلب الدبلوماسي في المواقف وعدم القدرة على التعاطي معها بعقلية مرنة تعتمد التفاوض والدخول في مساومات من أجل الحصول على مزايا ومكتسبات، سواء خاصة أو لها علاقة بالوطن، هي أعلى مراتب المعادلة الصفرية. لهذا يكون تغيير طريقة تفكيرنا من التمسك بهذه المعادلة هو مدخل مهم في التعامل مع الآخر الذي قد يضيف لك دون أن تدري، وربما هو جزء من الحياة الطبيعية في تطور المجتمعات.

الشراكة بكل أنواعها، الدولية والمجتمعية، هي نقيض “الصفرية” وباتت الكثير من المؤسسات والدول في العالم تنتهجها في تعاملاتها التعاونية والسياسية، فهي تعني خلق فرص لكل الأطراف من خلال تقديم تنازلات من الطرفين للوصول إلى تفاهمات، أو من الجانب الآخر أن الطرف القوي في الوقت الحاضر عليه أن يستدرك بأن المعادلات تتغير وعليه ألا يستمر، لأنه قد يجد نفسه في لحظة محتاجا إلى الطرف الذي يتنمر عليه الآن.

التخلي عن المعادلة الصفرية يكون بشرط عدم المساس بثوابت الوطن، وعلى رأسها السيادة الوطنية للدولة. الكثير من دول العالم رغم قدرتها على تحقيق المعادلة الصفرية في تعاملها مع الآخر تخلت عن هذه النظرية مقابل تحقيق استفادة ومصلحة قصوى لشعبها والإنسانية أيضاً.

هناك حاجة عربية على المستوى السياسي والمستوى الاجتماعي للتعامل بعيداً عن المعادلة الصفرية وسيطرة فكرة التعصب والاستقواء بالدين أو الطائفة أو الأيديولوجيا فهي معادلة غير قابلة للنجاح.

العرب

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com