الإمارات وإيران.. احتواء الخلاف واحترام الاختلاف

الإمارات وإيران.. احتواء الخلاف واحترام الاختلاف

على الرغم من الأهمية السياسية للخطوة الإماراتية بإعادة سفيرها إلى طهران، فإنها بالمعايير التاريخية والجغرافية ليست خطوة انقلابية في توجهات السياسة الإماراتية، أو مقاربة غير محسوبة في علاقاتها مع إيران.

التوتر الدبلوماسي الذي شهدته علاقات البلدين، وأدى إلى سحب السفير الإماراتي في طهران، كان استثناءً من القاعدة، إذ لم تشهد تلك العلاقات، تاريخيًّا، تصعيدًا مماثلًا من قبل.

بل إن سحب السفير الإماراتي من طهران كان إجراءً تضامنيًّا مع السعودية، وليس إجراءً انتقاميًّا، وأخذته أبوظبي، كجزء من موقف عربي واسع مع المملكة، كانت له أسبابه ودوافعه، وشاركت به أكثر من دولة عربية وإسلامية، وكان بالنسبة للإمارات إجراءً معتدلًا نسبيًّا، إذ لم يتضمن قطع العلاقات الدبلوماسية أو تخفيضها بل اقتصر على سحب السفير فحسب.

كان سحب السفير الإماراتي من طهران عام 2016، متناسبًا مع الظرف السياسي، وبالحدود التي تنسجم مع الاعتبارات الخاصة، التي ربطت الإمارات بإيران وحددت سياق العلاقات معها.

ولذلك، فإن تلك الخطوة ظلت بالمقياس السياسي محصورة الأثر، وضمن الحدود التي لا يختلط فيها حابلُ المصالح بنابلِ الاختلاف السياسي.

وكان سحب السفير متسقًا أيضًا، مع الحدود التي اعتادت عليها أبوظبي في تعاملاتها مع إيران، والتي حافظت من خلالها على قنوات اتصال وتعاون دائمة..

حتى في ذروة خلافات البلدين حول السيادة على الجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، التي احتلتها إيران في العام 1971، ظلت تلك الخلافات بمنأى عن القطيعة الدبلوماسية وبعيدة عن تفتيت المصالح الاقتصادية والتجارية، وظلت قضية الجزر محكومة على الدوام بالمقاربة الإماراتية السلمية التي تمسكت فيها أبوظبي طوال الوقت بحل سياسي، وتمسكت بمعالجة قانونية في إطار الأمم المتحدة، وضمن أحكام القانون الدولي.

ولذلك، فإن مسار علاقات التعاون الثنائي بين البلدين ظل بالإجمال بمنأى عن التوترات السياسية، ولم يتقاطع هذا المسار أو يتعارض مع قضية السيادة على الجزر الثلاث.

حرصت أبوظبي على الفصل بين هذه القضية، وبين المصالح الثنائية المشتركة، أو علاقات التعاون الاقتصادي التي ربطتها تاريخيًّا بإيران، ولم تلتفت دولة الإمارات ضمن التزامها بهذين البُعدين لعلاقاتها بإيران، لحملات المزايدة التي شنتها بعض الأصوات المغرضة، التي طالبت بوقف العلاقات التجارية والاقتصادية مع طهران، باعتبار أن استمرار التعاون الاقتصادي ومواصلة التبادل التجاري بين البلدين، ضارٌ بصدقية الإمارات في المطالبة بحقوقها بالجزر الثلاث.

كانت الإمارات حريصة على ألا يكون التعاون الاقتصادي والتجاري قيدًا على حريتها في انتقاد أي سياسات ومواقف إيرانية، سواء ما تعلق منها بالعلاقات الثنائية، أو ما تعلق منها بأمن الملاحة في الخليج العربي، أو الدعم الإيراني لكل التحركات التي استهدفت الاستقرار الإقليمي.

عناصر الاختلاف لم تتبدل خلال الفترة الفاصلة بين سحب السفير وعودته، لكن هذا لا يقلل من قيمة التوتر الذي أصاب علاقات البلدين واعتباره سحابة صيف عابرة، أو أن عودة السفير لمقر عمله هو دليل على انقشاع تلك السحابة.

من الصعب، ورغم زخم العلاقات التجارية والاقتصادية إخفاء حقيقة أن العلاقات مع إيران ليست خيارًا مصلحيًّا مجردًا، إذ ظلت المصالح تتداخل مع المواقف، وشهدت العلاقات بسبب ذلك حالات مد وجزر، وشهدت أيضًا توترات وخلافات، حتى وإن لم تؤد إلى القطيعة في علاقات التعاون الموازية.

والإمارات عندما تعيد سفيرها من جديد إلى طهران، تحاول احتواء الخلاف دون أن تتجاهل عناصر الاختلاف الكامنة، وهي بهذه الخطوة لا تفعل ذلك كجزء من صفقة سياسية، بل هو ترجمة لسياسة انفتاح إماراتية طويلة الأمد على محيطها العربي والإقليمي.

وقد حصدت الإمارات ثمار هذا الانفتاح، وتجسَّد ذلك في الدور المتنامي الذي أخذت تلعبه السياسة الإماراتية، لتغدو رقمًا وازنًا في السياسة العربية والإقليمية، بل وفي الإطار الأوسع المتمثل بمحيطها الدولي.

ومن هذا المنطق وضمن هذا الإطار، تستكمل أبوظبي، من خلال إعادة سفيرها لطهران، جملة الخطوات الانفتاحية التي تمثلت أوَّلًا في استعادة الاتصالات مع سوريا وتركيا، ورسختها في التنسيق الواسع مع المحيط العربي لخدمة الزخم المتنامي للدبلوماسية الإماراتية، وصولًا إلى مواجهة محاولات تشويه السياسة الإماراتية خاصة بعد الاتفاق الإبراهيمي، الذي كان يمكن أن يهدد علاقات الإمارات الإقليمية لو لم تنجح أبوظبي في استثمار سياستها الانفتاحية لخلق تفهم لخطواتها السياسية بين دول الإقليم، للدرجة التي باتت فيها هذه الدول تتعايش مع هذا الاتفاق سياسيًّا حتى وإن كانت تنتقده إعلاميًّا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com