بعد هدأة الغبار.. دروس مستفادة
بعد هدأة الغبار.. دروس مستفادةبعد هدأة الغبار.. دروس مستفادة

بعد هدأة الغبار.. دروس مستفادة

انتهت أحدث جولة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، دارت حول مسيرة الأعلام، بخسارة الجانب الفلسطيني، لا لنقص في الاستعداد للمواجهة وتقديم التضحيات، لا سيما من جيل الألفية الثالثة، بل لسوء أداء قياداتهم وفصائلهم ومؤسساتهم..

خسر الفلسطينيون جولة ولم يخسروا الحرب، خسروا بالنقاط ولم يخسروا بالضربة القاضية الفنيّة، كما يُقال بلغة الملاكمة والمصارعة التي لا أتقنها.

بعد أن هدأ الغبار وبردت بعض الرؤوس الحامية، لا بد من وقفة أمام بعض الخلاصات والدروس المستفادة، علّها تضفي قدراً أعلى من العقلانية على الخطاب، ومزيداً من الحكمة على الممارسة:

أولها: التخفيف من لغة "انقلاب المشهد" و"تبدل المعادلات" و"تغير قواعد الاشتباك"، فالوصول إلى درجة من التعادل مع العدو، لا يتقرر بهذه الخفّة، وبناء ميزان للردع المتبادل، لا يتم بعدّ الصواريخ أو قياس مدياتها، الأمر بحاجة لإعادة تعريف لعناصر القوة والاقتدار، وبنائها على أسس شاملة، تلحظ كل مكونات ومقومات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.

ثانيها: التعهد والالتزام بما تستطيع فعله، لا بما ترغب في الإقدام عليه، وتجنب "حمى المنابر والميكروفونات" ما أمكن إلى ذلك سبيلا، فرفع سقف التوقعات، أسوأ بكثير من الهبوط بها، وترك الناس للخيبة والإحباط، له مفاعيل المتوالية الهندسية، وفقدان الثقة أصعب بكثير من استعادتها.

ثالثها: تفادي اختزال المقاومة بواحد من أشكالها، فمقاومة الشعب الفلسطيني الشعبية – السلمية، في القدس ومناطق "الخط الأخضر" والضفة الغربية، لا تقل أهمية عن القذف بمئات الصواريخ، والمبالغة في تعظيم شكل محدد من أشكال المقاومة، يُبقي الشعب برمته في حالة انتظار، لمن سيقومون بالمهمة نيابة عنهم، فما بالك حين يتعذر على هؤلاء الضغط على الزناد.

رابعها: تفادي اختزال القضية الفلسطينية برمتها، بالمسجد الأقصى، إذ على الرغم من أهمية وقداسة المكان، إلا أنه لا يمكن القبول باختزال المسألة فيه، فإسرائيل تحت وابل من قنابل الدخان، تقوم بتنفيذ أخطر وأبشع عمليات الزحف الاستيطاني في القدس وأكنافها وفي عمق الضفة الغربية، وما الذي سيتبقى من عروبة الأقصى وإسلاميته، إن فقدت القدس والضفة عروبتها وإسلاميتها، تحت وطأة الزحف الاستيطاني والضم والتهجير والتشريد.

خامسها: مع التشديد على أهمية التركيز على الربط والترابط، بين مختلف مكونات الشعب الفلسطيني وأماكن تواجده، إلا أن معادلة الربط بين غزة والقدس، ولاحقاً بين غزة وجنين، تحتمل الكثير من "التطيّر" و"المبالغة"، فغزة المحاصرة منذ أزيد من 15 عاماً، والمُكتوية بنيران الحروب والعدوانات، ليس مطلوباً منها أن "تنوب" عن الشعب الفلسطيني، ولا أن تتحمل فوق طاقتها وقدرة أهلها على الاحتمال، مع أن أحداً لا يمكنه إنكار حقيقة المشاعر الوطنية والقومية والدينية والإنسانية، التي تربطها بالقدس والأقصى ورمزيته، ثمة "خفّة" في تناول هذه المسائل، تصدر عن مسؤولين كبار في غزة، بيدهم قرار "الحرب والسلام".

سادسها: أخطر ما يمكن أن يترتب على "حمى المنابر والميكروفونات" أنها قد تدفع بالمصابين بها، للتورط في مغامرات غير محسوبة، ولو من باب "حفظ المصداقية وماء الوجه"، في حين يحتاج قرار الحرب، عقولاً باردة وأعصاباً هادئة، بعيداً عن الشعبوية القاتلة، وصخب المنابر والتجمعات الحاشدة.

سابعها: أن الانقسام المتمادي في السياسة والجغرافيا والمؤسسات والمصالح العميقة التي نمت على جذعه، كفيل بأكل مكاسب الشعب الفلسطيني وتبديدها، حدث ذلك العام الفائت بعد "انتفاضة القدس وسيفها"، ومن قبله، وقد يحدث من بعده، ما لم يجر وضع حد نهائي لهذه الآفة المخجلة والمقلقة.

ثامنها: أن شيخوخة النظام السياسي الفلسطيني وعجزه البنيوي المتمادي، يجعلانه حمولة زائدة على حركته الوطنية ومقاومته الشعبية، فالسلطة الغائبة والمُغيبة عن دوائر الفعل والقرار، تتحول من "ذخر" للشعب إلى "عبء" عليه، وما لم تجر إعادة نظر في وظيفتها ومبرر وجودها، ما لم يجر إصلاحها ودمقرطتها، فالأرجح أنها ستتحول إلى "آلة" لتأبيد الاحتلال وتيسير بقائه وتقليل كلفه، وهذا آخر ما يحتاجه الفلسطينيون الذين يشعرون بالخذلان والتخلي، ويتحقق إجماعهم أكثر من أي وقت مضى، حول شعار "ما حكّ جلدك غير ظفرك".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com