ما الذي يريده البرلمان الأوروبي من تونس؟
ما الذي يريده البرلمان الأوروبي من تونس؟ما الذي يريده البرلمان الأوروبي من تونس؟

ما الذي يريده البرلمان الأوروبي من تونس؟

ربما كان علينا أن نطرح السؤال التالي: ما الذي تطلبه تونس من الاتحاد الأوروبي وهي تعيش أزمة سياسية خانقة غير مسبوقة، وانهياراً اقتصادياً يُنذر بإفلاس الدولة، وتوتراً اجتماعياً لا يستبعد المحللون أنه قد يؤدي إلى انفجار يصعب التنبؤ بنتائجه؟

ولكننا نصوغ سؤالنا بشكل معاكس فنقول: ما الذي يريده الاتحاد الأوروبي من تونس خاصة إثر تواتر زيارات وفوده إليها منذ إعلان الرئيس قيس سعيد يوم 25 يوليو الماضي تجميد أعمال البرلمان وإقالة حكومة هشام المشيشي، واللجوء إلى جملة من المراسيم لإدارة شؤون الدولة، بما في ذلك الإشراف على السلطتين التنفيذية والقضائية؟

آخر هذه الزيارات زيارة وفد عن البرلمان الأوروبي يمثل لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان التي ترأسها ماريا أرينا النائبة عن الحزب الاشتراكي البلجيكي، التقى خلالها أعضاء الوفد بعديد الوجوه الأكاديمية والسياسية ورؤساء المنظمات الوطنية، على غرار الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، ورئيس منظمة أرباب الأعمال، وممثل جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي، وممثلين عن العديد من الجمعيات الحقوقية، ومن أحزاب المعارضة ومن نشطاء المجتمع المدني من الشباب وغيرهم، وانتهاءً بالعميد السابق السيد الصادق بلعيد الذي عين أخيراً رئيساً منسقاً للهيئة الاستشارية الوطنية من أجل جمهورية جديدة المكلفة بمراجعة الدستور والإعداد للاستفتاء عليه يوم 25 يوليو القادم، الذي يناسب ذكرى الإعلان عن أول جمهورية بعد الاستقلال عام 1957.

ربما علينا في البداية أن نضع هذه الزيارة في سياقها الوطني والدولي؛ فعلى المستوى الوطني، تقدم تونس سنوياً تقريراً عن وضع الحريات فيها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وذلك بشكل طوعي باعتبارها عضواً في المجلس..

وتتم مناقشة هذا التقرير على ضوء ملاحظات خبراء المجلس التي يتم جمعها أثناء زياراتهم للسجون التونسية ورصد حرية الصحافة، وكذا أيضاً على ضوء شكاوى بعض المعارضين السياسيين والحقوقيين الذين يرفعون تظلماتهم إلى سفارات وجهات غربية، طالبين التدخل لدى السلطات التونسية لرفع القيود عن الحريات، وهو ما تسميه السلطات هنا بالاستقواء بالغرب.

كما أن تونس مرتبطة بالاتحاد الأوروبي بشراكة استراتيجية مميزة، منذ عهد بن علي، وتؤكد في ديباجتها على تقاسم جملة من المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وعلى استحثاث هذا البلد الشريك على بذل مزيد من الجهود من أجل احترام هذه الحقوق والعمل في ظل دولة القانون..

وهذا ما جعل الاتحاد الأوروبي ومن ورائه أعضاؤه يتابعون عن كثب الشأن التونسي، نظراً للموقع الاستراتيجي لتونس وأهمية استقرارها السياسي والأمني الذي يخدم مصالح دول الاتحاد.

أما على المستوى الدولي، فلا يمكن أن نغفل عن أثر الحرب الروسية على أوكرانيا في دول الاتحاد من حيث كلفة المساعدات المالية الأوروبية المقدمة لأوكرانيا، ومن حيث كلفة هجرة الملايين من الأوكرانيين إلى الدول الأوروبية، وهي هجرة لا يعلم أي طرف مباشر أو غير مباشر في الحرب متى ستنتهي أو متى ستبدأ في الاتجاه المعاكس..

هذا معناه أن التضييقات على هجرة أبناء المغرب العربي نحو دول الشمال ستتضاعف، وأن هذه الدول ستبذل ما في وسعها للضغط على الدول المغاربية من أجل إيقافها في الوقت الذي تشجع فيه على استقبال الآلاف من الكفاءات في مجال الطب والهندسة بمختلف فروعها.

ولا تخرج الزيارة الأخيرة للوفد البرلماني إلى تونس عن هذه السياقات الوطنية التونسية والدولية، خاصة حين نطلع على تصريحات رئيس الاتحاد الأوروبي ورئيسة البرلمان الأوروبي، ثم على البيان الذي أصدرته بعثة هذا الأخير إثر زيارتها لتونس، وهي تصريحات عبرت فيها عن انشغال الاتحاد بواقع الحريات في تونس مع دعوة صريحة للعودة للشرعية البرلمانية، وتلميح بربط تلازمي للمساعدات الاقتصادية والقروض الممنوحة بشروط احترام الحريات الفردية والجماعية والعودة إلى البرلمان.

جرى هذا يداً بيد مع التصريحات التي كان يطلقها الرئيس قيس سعيد من حين إلى آخر، مشددا فيها على استقلال القرار الوطني ورفضه القاطع لأي تدخل أجنبي في رسم سياسة البلاد الداخلية أو توجيهها.

ومن البديهيات أن العلاقات الدولية تقوم على المصالح المتبادلة وليس على القيم، إلا أن تصريحات مسؤولي البرلمان الأوروبي والاتحاد الأوروبي عموماً ما تنفك تركز على أن شراكة الاتحاد الأوروبي مع تونس هي قبل كل شيء شراكة قيم ومبادئ، وعلى رأسها احترام الحريات الفردية والجماعية وإرساء دولة القانون.

صحيح أن وضع الحريات لم يعد على ما كان عليه في بداية الثورة التي شهدت انفجاراً هائلاً لحرية التعبير، ولكن المتابع للشأن التونسي يعلم جيداً أن لا الحكومات المتعاقبة التي سيطر عليها الإسلام السياسي، ولا الاتحاد الأوروبي تدخل لحماية الحريات الفردية والجماعية للمفكرين والفنانين والمواطنين التونسيين العاديين من عمليات التضييق على حرية التفكير والضمير والإبداع واللباس..

وصحيح أنه كان للتونسيين برلمان تم اختيار أعضائه عبر انتخابات شهدها مراقبون أجانب، ولكنها انتخابات لحقتها شبهات التمويل الأجنبي والمال الفاسد والارتباط بمافيات التهريب، كما جاء في تقرير محكمة المحاسبات..

كما أن رئاسة البرلمان، التي كان يتولاها رئيس حركة النهضة، قد عملت على تعطيل العديد من القوانين وتجميد العديد من الملفات، من ضمنها ملفات تسفير آلاف الشبان التونسيين إلى بؤر التوتر في سوريا والعراق وليبيا للالتحاق بالحركات المتطرفة التي كانت من أسباب تدمير هذه الدول، هذا علاوة على المساعي المؤثرة لنواب النهضة للحؤول دون إنشاء محكمة دستورية بعيدة عن الصراعات السياسية التي كانت فيها لحركتهم اليد الطولى.

ومن المؤكد أيضاً أن الانتقال الديموقراطي الذي حلم الجميع بأن يُفضي، بعد الثورة، إلى ترسيخ دولة القانون لم ينته في الأخير إلا بإحلال ديمقراطية الفقر واتساع رقعة الهشاشة والبطالة، والسعي الحثيث إلى تحطيم مكاسب الدولة، من خلال العمل على القضاء على النموذج المجتمعي الحداثي الذي أرسته دولة الاستقلال، وكان مناسباً لشعب تجاوب مع الحركات الإصلاحية التي توالت منذ القرن التاسع عشر، وهو شعب راهن المشروع البورقيبي على تعليمه وتثقيفه وانفتاحه على محيطه المتوسطي والأوروبي.

وصحيح أيضاً أنه لا يمكن أن ننفي أن العديد من انتهاكات لحقوق الإنسان قد طالت بعض الحقوقيين والناشطين في هذا المجال بعد مبادرة 25 يوليو، مثل منع بعض التظاهرات التي كان الحزب الحر الدستوري ينوي تنظيمها، وكذلك بعض أحزاب المعارضة الأخرى، فيما سمح لأنصار قيس سعيد القيام بأنشطة المناصرة لمبادرته وللمراسيم التنظيمية التي تمت على ضوئها تنحية المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بهيئة مؤقتة، وتسمية الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة.

كما أن وحدة رصد انتهاكات حرية التعبير والصحافة التابعة للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين قد وثقت بعض الانتهاكات التي طالت صحافيين كانوا يغطون مظاهرات احتجاجية ضد سياسات رئيس الجمهورية، وتعرض خلالها المحتجون إلى تعنيف القوات الأمنية، ولكن الاتحاد الأوروبي الذي دعم الحكومات المتتالية التي سيطرت عليها حركة النهضة، سواء بالقروض الميسرة أو بالمساعدات المالية والعينية وبالخبرات الفنية، لم يكن يشترط تقديم هذه المساعدات بإقامة منظومة قضائية غير منحازة سياسياً، ولم يطرح السؤال لماذا جمّد القضاء التونسي ملف الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي ووضعهما في مدارج النسيان.

وإذا ما أردنا الذهاب بالسؤال إلى مداه الأقصى، فإننا نقول لماذا تم تقديم العديد من التسهيلات الاقتصادية والعسكرية للشقيقة مصر وتشجيع الاستثمارات الفرنسية في مشاريع كبرى فيها، مع أن وسائل الإعلام الغربية تتكالب على وضع الحريات فيها؟

نتوقع أن أسئلة عدة قد طرحها أعضاء الوفد البرلماني الأوروبي على الشخصيات التونسية التي قبلت الجلوس معه إلى طاولة واحدة؛ لأن أحزاباً عديدة رفضت ذلك، وعلى رأسها الحزب الدستوري الحر..

ومن بين تلك الأسئلة: ماذا أنتم فاعلون بدعوة قيس سعيد الشعب التونسي للاستفتاء على دستور جديد، وإلى القيام بإصلاحات سياسية لم تتبلور بعد بالشكل الكافي؟

كما أتوقع أن أصواتاً من مخاطبيهم التونسيين قد تعالت: وماذا أنتم فاعلون بزيت الزيتون التونسي وبمنتجاتنا الفلاحية الأخرى التي لا تجد طريقها بيسر إلى أسواقكم؟ وماذا أنتم فاعلون لضمان استقرار مؤسساتنا الاقتصادية حتى لا تتضاعف موجات هجرة شبابنا إلى بلدانكم؟

وأتوقع أن سيدة تونسية حرة قد رجّتهم بقولها: اتركوا الحديث عن واقع الحريات في تونس، فللمجتمع التونسي ديناميكيته الخاصة التي جعلته يوماً ينتفض ويكسر قيود الاستبداد، كما كسر يوماً أغلال استعماركم لآبائنا وأجدادنا ردحاً طويلاً من الزمن!

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com