في إسرائيل.. يفتقدون القائد
في إسرائيل.. يفتقدون القائدفي إسرائيل.. يفتقدون القائد

في إسرائيل.. يفتقدون القائد

أزمة القيادة هي سمة هذا العصر.. والحقيقة، ليس فقط هذا العصر، فالبشرية اعتادت على ندرة القادة عبر كل العصور.

والقائد الذي نعنيه، هو ذلك الرجل ،أو المرأة، الذي يتمتع بمواهب قيادية تجعله يتخذ القرارات الملائمة لشعبه في الوقت المناسب..

قد تكون هذه القرارات غير عادية، تنطوي على تغيير جوهري، لكنها تخدم مصالح الشعب بشكل حقيقي، كأن يقرر مثلا الانعطاف من حالة حرب إلى حالة سِلم، أو العكس، أو يقرر تغيير سلم الأولويات بشكل حاد..

قائد ذو كاريزما، يحظى بثقة شعبه لدرجة قبول قراراته حتى لو كانت غير مألوفة..

مثل هؤلاء القادة يظهرون مرة في كل عدة عقود، وهم يتأخرون عادة في المجيء، لأنهم نادرون.. وفي عصرنا، نلاحظ أنهم تأخروا كثيرا في المجيء عند غالبية الشعوب.

إسرائيل هي نموذج واحد عن هؤلاء؛ في البدايات كان لديها دافيد بن غوريون، يمكن لنا كفلسطينيين وكعرب ألا نحبه ولا نحتمل ذكر اسمه، فهو المسؤول عن نكبة 1948، لكنه كان قائدا قويا، وحظي بشعبية كبيرة.

بفضله أقامت الحركة الصهيونية نموذج الدولة العبرية قبل عشرات السنين من نشوئها، كان طموحه أن يقيم إسرائيل على كامل أرض فلسطين، ولكن عندما صدر قرار التقسيم في سنة 1947، وافق عليه بسرعة ودخل في صدام مع معظم قادة الحركة، الذين طالبوا بمواصلة الحرب حتى يتحقق الحلم بالسيطرة على "أرض إسرائيل الكاملة"، كما هو منصوص عليها في التوراة، أي من البحر المتوسط وحتى نهر الأردن، وهناك من يحددها (من نهر النيل حتى نهر الفرات")..

وكان قرار التقسيم يعطيها 52% من أرض فلسطين، فتلقف القرار وخاض الحرب مع العرب واحتل أجزاء أخرى حتى باتت تسيطر على 78% من فلسطين التاريخية.

وفي آخر سنوات عمره، وجد في نفسه الشجاعة ليعلن أن احتلال الأراضي العربية عام 1967، يجب أن يتحول إلى فرصة لصنع السلام وعارض بشدة ضم الأراضي المحتلة وزرع المستوطنات فيها.

وجاء القائد اليميني المتطرف، مناحم بيغن، بعد انتصار كبير على حزب العمل، مؤسس التنظيمات الصهيونية في سنة 1977، وبدا أن إسرائيل ستتحول إلى دولة فاشية، بسبب وجود غلاة المتطرفين فيها، ولكن عندما جاء الرئيس المصري أنور السادات إلى إسرائيل، أحدث هزة سياسية وجماهيرية كبرى، فاستقبله بيغن وتحول إلى شريكه في عملية السلام بين البلدين..

ومع أن بيغن رفض اقتراح السادات لتسوية الصراع بإقامة دولة فلسطينية، فقد اعترف بحق تقرير المصير وحكم ذاتي يتم التفاوض على مضمونه.

وكانت وسائل الإعلام كشفت أن الأمريكيين دعوا بيغن إلى كامب ديفيد لكي يتنازل عن شرم الشيخ للمصريين، فأعلن بصوته الجهوري "أنا مسافر إلى الولايات المتحدة لكي نصنع السلام.. فإذا طالبوني بالانسحاب من شبر واحد من سيناء، فإنني سأحزم حقائبي وأعود إلى إسرائيل".

وقد نشِر يومها استطلاع أشار إلى أن 72% من الجمهور يعارضون الانسحاب من أي شبر من سيناء.

وكما هو معروف، لم يلتزم بيغن بهذا الوعد، بل عاد وقد وقع على اتفاقية تنص على الانسحاب الكامل من سيناء حتى آخر شبر، وعاد إلى البلاد ليستقبله الإعلام بالسخرية وانشق عن حزبه الليكود عدد من النواب وانتشرت معارضة شديدة واسعة لقراره التخلي عن سيناء..

سئل "أين هو وعدك بحزم الحقائب والعودة؟ لقد وقعت على التخلي عن سيناء بالكامل"، فأجاب "عندما كنا نعلن استراحة من المفاوضات، كنت أخرج أتمشى. وعندما شاهدت المساحات الخضراء الخلابة، والطقس الجميل المشمس، وعندما رأيت المسنين كيف يتسامرون بين أحضان الطبيعة، والعشاق يتغازلون تحت الشجر، والفتية يقفزون بفرح وسعادة، والرجال والنساء يتمشون بين الورود، تذكرت أكثر من اثني عشر ألف شخص إسرائيلي سقطوا في الحروب، وقررت: أريد أن أبذل جهدي لمنع سقوط اثني عشر ألف شاب آخر في الحروب".

وكان جوابه مقنعا، إذ بينت الاستطلاعات أن 72% من الجمهور يؤيد الانسحاب مقابل السلام. تماما، نفس نسبة الذين عارضوا الانسحاب قبل ثلاثة أسابيع.. ودافع بيغن بشراسة عن قراره.

ومع أنه عاد فيما بعد ليهدد العرب بالحرب وأمر بقصف المفاعل النووي في العراق ورفض التفاوض مع سوريا وشن حرب لبنان الثانية (1982) بهدف تصفية منظمة التحرير الفلسطينية وانهار عصبيا بسبب التورط في تلك الحرب، إذ وعد أن تنتهي في 48 ساعة فاستمرت 18 سنة، إلا أن اسمه حفر في الذاكرة كقائد شجاع وافق على سحب قواته من سيناء في سبيل السلام، مع أن حزبه يطمع في الأرض الممتدة من النيل وحتى الفرات.

اليوم يذكرون بيغن وبن غوريون بحنين شديد وحسرة قوية؛ فهم لا يجدون قائدا واحدا يقنعهم بأنه يعرف ماذا يريد الشعب وما مصلحته فعلا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com