في هامش المسلسل
في هامش المسلسلفي هامش المسلسل

في هامش المسلسل

لم أشاهد أيّ لقطة من المسلسل المصري “الاختيار” الذي بات في موضع الجدال المصري ـ وربما العربي ـ حول الدراما في شهر رمضان الجاري. بالتالي لست في موقع القدرة على الاجتهاد في الحكم على المسلسل من الناحيتين الفنية والتاريخية.

وبالنظر إلى أن العمل الدرامي، يتناول أحداثا شهدتها مصر عام 2013 خلال حكم الرئيس الراحل محمد مرسي الذي أطاح به الجيش عقب تظاهرات حاشدة؛ يسهل القول إن انقسام الرأي العام المصري ـ بل والعربي أيضاً ـ حول تلك الأحداث، لن يؤثر فيه مسلسل، لأن النقاش في هذا الموضوع من النوع العقيم، الذي لا يلد قناعات أخرى.

المواقف تحدّدت وأغلقت على فحواها، سواء بالنسبة إلى من رأوا أن الإطاحة بحكم “الإخوان” أنقذت مصر من كارثة محققة، أو بالنسبة إلى من يرون أن الإطاحة كانت انقلاباً أسس لمظلومية حاقت بـ”الجماعة”.

معنى ذلك أن التركيز في السجال حول المسلسل ليس إلا استطالة لسجال عام بين محورين ما تزال أسبابه كامنة في النفوس، علماً بأن العلاقات بين الدول المتعارضة شهدت انفراجاً في الآونة الأخيرة، وتقلص التوتر إلى الحد الأدنى أو غاب تماماً ما خلا بعض مستلزمات أو اشتراطات تريدها الأطراف بعضها من بعض.

فإن اعتبرنا أن الدراما تنتمي إلى جنس الإعلام؛ نتذكر أن إعلام الخصومة على الجانبين، لم يتساوق مع السياسات الجديدة للمتخاصمين. فإعلام قطر لم يتوقف عن الهجوم بينما أصبح التركيز في الإعلام المصري على جماعة “الإخوان” دون التعرض لدولتي تركيا وقطر، وقد حدثت بعض الوقائع التصالحية التي لامست وضعية التعاون. وبحكم استمرار منابر “الإخوان” في الهجوم، كان طبيعياً أن تستعين الدولة المصرية بجحفل الدراما للدفاع عن نفسها. والمناخ برمّته لا يساعد على استتباع التصالح السياسي بين الدول، بحوار داخلي مصري، لحل مشكلة “الجماعة” المأزومة.

لكن استهداف المسلسل الرمضاني، من قبل الطيف الموالي أو المتعاطف مع الطرف الأصولي، يفتح الباب لحديث آخر أو لتوجيه سؤال مهم: ألم تشتغل قنوات وبرامج، كانت تبث من تركيا، على مدى العديد من السنوات، في الهجوم ليل نهار على النظام المصري، بلغة مشوبة بالسباب الشخصي، بمنهج تحريضي يؤثر على الأجيال الجديدة من الشباب؟ ففي الواقع كانت كثافة الهجوم الذي أوقفته الدولة التركية، من الأسباب التي جعلت العروض المصرية المضادة واجبة وضرورية من جانب الدولة، لاسيما وأن طريقة مخاطبة الجمهور، في أداء القنوات التي تبث من تركيا؛ كانت مباشرة وصاخبة ومحملة بكل النعوت والأوصاف الرديئة، وعُرضت بطريقة أقرب إلى التمثيل والاستعراض.

وكان لافتاً في كل تلك العروض، أن القنوات المذكورة، اعتمدت منهجية تزييف التاريخ المعاصر، لتجعل العسكر قاطبة، ودون تمييز، خونة، وجعلت طرابيش الحكم في مصر الملكية، كأنهم المدنيون الأفذاذ الذين أطاح بهم العسكر الجهلة، علماً بأن أيّ منصف يدقق في الوثائق المصرية على مدى ستين سنة، سيدرك أن إدارة الدولة وإدارة الأزمات وإدارة عملية التنمية، قد أدت إلى تحولات اجتماعية لن تخطر في أذهان من كانوا يحكمون قبل 1952 وكانوا مرتهنين لبريطانيا من الرأس الى أخمص القدم.

فجماعة “الإخوان” ظلت معنية بجعل الحكم في مصر، على مر ستين سنة، مطعوناً في كل تفصيلاته، وتعمدت تحويل الإنجازات، كتأميم قناة السويس وبناء السد العالي وتأسيس الصناعات المتنوعة، والتوسع في التعليم ومجانيته وغير ذلك؛ ذمائم، خُلقت لكل منها حكاية مزورة لاستغفال الأجيال الجديدة وكان ذلك هو تزوير التاريخ!

العرب

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com