هيرش
هيرشهيرش

هيرش

عند لقائه على متن الطائرة، في رحلة طويلة من تل أبيب إلى سدني الأسترالية، كان يبدو على العكس تماما من الصورة التي رسمت له في الأرشيفات الإسرائيلية، كبطل قومي.. فهو صامت بشكل دائم، وإن تكلم يكون الكلام بصوت منخفض وهدوء عميق.. قصير القامة نحيف الجسم، خجول، يبدي تواضعًا بشكل بارز.

ظهر كمن يعرف تماما أصلي وفصلي ويتعامل باحترام بالغ، على عكس من يحملون سمات البطل العسكري في إسرائيل عندما يلتقي عربيا، ومع أن حوارنا اتسم بتناقض حاد في كل المواقف تقريبا، حافظ على مستوى راق من النقاش، وفي غير مرة قال إنه يحترم وجهة النظر المناقضة.

وقد شدني أن أعرف كيف يفكر شخص مثله، يحمل كل هذا الرصيد من القتال ضد شعبي، ويتحمل مسؤولية كبيرة عن قتل الكثير الكثير من أبناء شعبي.

هو العميد في الجيش الإسرائيلي غال هيرش، أحد القادة البارزين للمعارك التي خاضها جيشه خلال احتلاله لبنان، والضابط الذي عمل طويلا في كوماندوس سلاح الجو "شلداغ" تحت قيادة بيني غانتس، الذي يشغل اليوم منصب وزير الدفاع في حكومة نفتالي بنيت.

وقاد هيرش بنفسه القوات التي حاصرت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، كما قاد القوات التي حاربت في مخيم جنين في سنة 2002، بل هو نفسه الذي وضع خطة إعادة احتلال مدن الضفة الغربية وقراها في ذلك الوقت.

كنت أتساءل في نفسي، كيف يفكر أولئك القادة العسكريون وهم يديرون حروبا غير متكافئة بين جيش نظامي قوي ومتطور، ومقاتلين فدائيين يواجهون بأسلحة بسيطة وحجارة وزجاجات حارقة؟

فنحن اليوم نعيش حربا مستمرة منذ أكثر من 100 عام في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي حصد حتى الآن 100 ألف قتيل فلسطيني و24 ألف قتيل إسرائيلي، وهناك مئات آلاف الجرحى والمعوقين، ناهيك عن أعداد اللاجئين والنازحين الفلسطينيين.

في حينه، عندما كان يتاح لنا أن نتحدث، ما بين اجتماع واجتماع، في قصر إنجليزي ملكي عريق في سدني، وما بين ندوة وندوة، لم يكن سهلا عليه أن يفضي بمكنون قلبه.

لكن، في هذه الأيام، التي يكون فيها قد مر على ما يعرف باسم "الانتفاضة الفلسطينية الثانية" عشرون سنة بالتمام (سنة 2002)، خرج هيرش بمقالة مطولة نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" على ست صفحات (1 أبريل/ نيسان 2022)، يكشف فيها أمورا مذهلة، تبين من أين الهالة التي يتمتع بها لدى الإسرائيليين، أولها أنه بدأ يخطط لإعادة احتلال الضفة الغربية، في اليوم الذي بدأ فيه تطبيق اتفاقيات أوسلو.. أجل أجل في نفس يوم توقيع اتفاقيات السلام.

وكتب في مقاله الجديد: "كانت هناك إشارات كثيرة في تصرفات الفلسطينيين جعلتني أشك في نواياهم وأعرف أنهم لا يريدون سلاما حقيقيا".

ويضيف أنه عندما نفذ أوامر الحكومة بالانسحاب من المناطق، "قلت للقائد الفلسطيني الذي سلمته منطقة ترقوميا (غربي الخليل)، من دون أن أخفي قلقي العميق: آمل أن تحافظوا على الاتفاق ولا تضطروني إلى الهجوم واحتلال وتحرير المنطقة التي أسلمك إياها الآن".

هيرش يتجاهل هنا أن اليمين الإسرائيلي أدار حربا شرسة ضد اتفاقيات أوسلو، وأن أحد شبانه، يغئال عمير، أطلق الرصاص على اسحق رابين، رئيس حكومة إسرائيل، بعد سنتين من التحريض الدموي عليه، حيث أظهروه خائنا لشعبه بسبب توقيعه الاتفاق مع الفلسطينيين، ونشروا صورة مركبة له يظهر فيها بزي ضابط في الجيش النازي الألماني، الذي أدار حرب إبادة ضد اليهود، وأن بنيامين نتنياهو، الذي فاز بالحكم في أول انتخابات بعد رابين، كان معارضا للاتفاق مع الفلسطينيين أيديولوجيا، وسعى بكل قوته لإفشاله.

وبدا ذلك واضحا جليا في معركة النفق، إذ اكتشف الفلسطينيون حفر إسرائيل نفقا تحت أرض المسجد الأقصى، فوقع اشتباك بين الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الفلسطينية، سقط فيه 100 قتيل فلسطيني و28 جنديا إسرائيليا.

وقال إن خطته لإعادة الاحتلال، وجدت فرصتها بسبب عمليات التفجير الفلسطينية داخل المدن الإسرائيلية، من جهة، وبسبب تفجير البرجين في نيويورك سنة 2001.

ويروي هيرش كيف كان قادة الجيش معارضين لفكرته وهاجموه عليها وهددوه بالفصل من الجيش لأنه يتجاوز صلاحياته كقائد في الجيش ويسعى لعمليات تستهدف إحداث تغيير جيو سياسي استراتيجي، "ولكنني ضربت على الطاولة بقبضتي ورفعت صوتي وأوضحت أن خطتي يجب أن تنفذ".

والأهم أنه يكتب هذه المقالة في هذا الوقت بالذات، لأنه يرى أن "على إسرائيل أن تستغل خبرتها وتمارس قوتها وتخرج الخطط من الأدراج وتنفذ عملية اجتياح مرة أخرى تعود فيها لاحتلال المدن الفلسطينية، بما في ذلك في قطاع غزة، الآن الآن، إذا كانت تريد حماية مواطنيها من موجة الإرهاب الحالية".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com