مكاييل مختلفة لتقييم الوحشية
مكاييل مختلفة لتقييم الوحشيةمكاييل مختلفة لتقييم الوحشية

مكاييل مختلفة لتقييم الوحشية

حافظ البرغوثي

أعادت إسرائيل لاجئين أوكران من المطار، مطالبة بكفالة مالية لكل لاجئ، بينما كانت في التسعينيات تستجدي الغرب للسماح بالهجرة من الاتحاد السوفيتي، حيث بلغ عددهم قرابة المليون نسمة، خاصة من كبار العلماء الذين طوروا مراكز البحوث والصناعة الإسرائيلية، ونسبة الثلث أو أكثر من المسيحيين الذين التحق أبناؤهم بالجيش الإسرائيلي..

وعندما يُقتل أحدهم يُدفن في مقبرة مسيحية عربية أو يُنقل إلى روسيا أو أوكرانيا لرفض الكهنة اليهود دفنه في مقابرهم؛ لأن وجوده يقلق الموتى اليهود على حسب اعتقادهم.

وبعد خبر إعادة هؤلاء من المطار الذي أعلنه السفير الأوكراني في تل أبيب باكيًا، ذكّر الإسرائيليين بأن الأوكران أنقذوا كثيرًا من اليهود من النازيين، ووجّه زيلينسكي رئيس أوكرانيا نداءً ليهود العالم لكي يتحركوا لنصرة أوكرانيا ولا يلتزموا الصمت، رغم أن إسرائيل سبق أن دعت اليهود في أوكرانيا للهجرة، إلا أن أحدًا لم يصل، حتى الإسرائيليون هناك لم يعودوا لأنهم تأكدوا أن الحرب تحاول الابتعاد عن المدنيين..

كما أن القصف العشوائي تعرضت له مدن إقليم دونباس ذي الأغلبية الروسية، وفقًا لمراسلين غربيين محايدين؛ فسياسة الأرض المحروقة اختراع أمريكي وليس روسيًّا، بل سارعت الوكالة اليهودية إلى الإعلان عن مخطط لتوطين اليهود الأوكران في النقب، حيث يخوض أهالي النقب منذ سنين كفاحًا سلميًّا أمام الهجمة الاستيطانية للاستيلاء على أراضيهم.

المنطق الأعوج في السياسة الدولية ظهر في خطاب وزير الخارجية الأمريكي متحدثًا أمام مجلس حقوق الإنسان في مطلع هذا الشهر بقوله "لقد استهدفت الضربات الروسية المدارس والمستشفيات والمباني السكنية، كما تعرّضت حافلات وسيارات مدنية وحتى سيارات إسعاف للقصف. تفعل روسيا هذا كل يوم - وعلى امتداد أوكرانيا"، وأضاف "قالت المفوضة السامية أمس إن الهجمات الروسية قتلت ما لا يقل عن مائة مدني، بينهم أطفال، وجرحت المئات ".

هذه الحصيلة لستة أيام من الحرب التي ذكرها الوزير الأمريكي لا تنم عن أن هناك حربًا تستهدف المدنيين، فالسلطات الإسرائيلية في اليوم نفسه قتلت أربعة فلسطينيين وجرحت العشرات وهدمت بضعة منازل في القدس.

الإعلام والزعماء في الغرب ضخّموا الهجوم الروسي لتضخيم العقوبات، رغم أنه موضع استنكار من أي داعية للسلم، لكنهم واصلوا تشجيع الأوكران على الحرب طالما أنها بعيدة عنهم؛ فالقصد ضرب روسيا بأوروبا، وإضعاف أوروبا أمام الولايات المتحدة، أي إعادة أوروبا إلى بيت الطاعة الأمريكي وقطع صلاتها مع روسيا.

لقد ظهرت المشاعر النازية العنصرية في الإعلام الغربي بدرجة كبيرة ضد الروس أوّلًا، ثم الهاربين من الحرب من غير الأوكران من العرب والأفارقة، سواء داخل أوكرانيا أو على الحدود مع دول أوروبا الغربية، كما أن التفوهات لبعض السياسيين الأوروبيين والمعلقين الأمريكيين كشفت أن الغرب لا يهتم بأي تدخل غربي في بلد آخر خارج أوروبا، لأن أوكرانيا كما وصفوها بلد متحضر بعكس أفغانستان والعراق وليبيا..

هم لم يحتملوا رؤية بلد سكانه من ذوي البشرة البيضاء يهاجِم بلدًا آخر سكانه من الشقر أيضا، أما ما عدا ذلك فهو مباح.
بالطبع، لا أحد يقارن الهجوم الروسي بالتدخلات الغربية في دول عديدة دون سبب مقنع، فالولايات المتحدة شنت حروبًا في أكثر من سبعين منطقة في العالم، لكن أقساها كان في بلاد عربية وإسلامية، إذ تسيطر واشنطن على القرار في الأمم المتحدة، ويمكن القول إن قرابة ستة ملايين عربي قضوا في الحروب الأمريكية في المنطقة، أغلبهم في العراق.

بالطبع، تبقى الحروب كريهة، لكن لا يجب النظر إليها على أنها عادية في منظقة، ومحرمة في مناطق أخرى لأن سكانها من البيض أو من ديانة أخرى.

الكيل بمكياليين ما زال يميز السياسات الغربية، والهجمة على كل ما هو روسي في أوروبا غير مبرر قطعًا كمنع تدريس كتب الكاتب الإنساني العالمي فيودور دوستويفسكي في جامعة إيطالية، وربما يصل الأمر إلى معاقبة القيصر الإسكندر الأول الذي هزم نابليون وخلّص أوروبا منه، أو ستالين الذي هزم هتلر ووصل برلين قبل الأمريكيين، بينما انهمك الأمريكيون في اغتصاب ثلاثة ملايين ألمانية خلال أشهر.

إن شيطنة كل ما هو روسي هو إنكار عبثي ولن يفني روسيا، لأنها باقية، وأيضا أوكرانيا باقية كدولة، لأن دفع الأمور إلى نقطة اللاعودة يعني كارثة نووية عالمية، ومَن يؤيد استمرار الحرب دون حلول سلمية فهو الشيطان الحقيقي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com