حرب لبنان الأبدية
حرب لبنان الأبديةحرب لبنان الأبدية

حرب لبنان الأبدية

نظير مجلي

يقولون حرب لبنان الأولى (1982) وحرب لبنان الثانية (2006) وحرب لبنان الثالثة (التي تستعد لها إسرائيل ويستعد لها حزب الله).

لكنّ هناك حربا لبنانية أخرى، حربا داخلية يبدو أنها تتجه لأن تكون أبدية، حربا داخلية يتفرج عليها خصوم لبنان وأعداؤه من بعيد لبعيد، ويتعاطى معها أحباء لبنان وأصدقاؤه بألم وعجز شديدين.

ومن تبعات هذه الحرب، أن بين أيدي لبنان كنزا ثريا، آبار غاز ونفط بكميات هائلة بحسب التقديرات العلمية، وهو لا يتمكن من استخراجها.

لقد اكتشفت البوادر الأولى لآبار الغاز والنفط في قعر البحر المتوسط، قبل أكثر من عقدين. واتضح أنها تقع في مناطق المياه الاقتصادية التابعة للبنان وسوريا وإسرائيل وقبرص وفلسطين، وأنها ستدر أرباحا بمليارات الدولارات في كل سنة على كل بلد منها.

وكالعادة، إسرائيل تحركت على الفور ومنذ سنة 2010 وهي تستخرج النفط والغاز، وفي السنتين الأخيرتين يتم ذلك بكميات تجارية ضخمة.

فلسطين، بحكم وجودها تحت كنف الاحتلال الإسرائيلي، ارتبطت مع شركة بريطانية وباشرت العمل على حفر البئر، لكن إسرائيل – كالعادة – انتهزت أول فرصة ومنعت الاستمرار في البئر كعقاب سياسي للفلسطينيين على انتفاضتهم، وما زال العمل معطلا حتى اليوم.

سوريا تأخرت كثيرا، لكنها ارتبطت مؤخرا مع شركة روسية وباشرت تحديد حدودها وتمهد لإجراء الحفريات.

قبرص باشرت منذ سنة 2005 الإعداد للحفر ودخلت في مفاوضات سنة 2006 و2007 مع لبنان وإسرائيل حول حدودها الاقتصادية معهما.

وأما لبنان، فقد دخل في نزاع مع إسرائيل حول حدود المياه الاقتصادية. وفي الوقت الذي تجني فيه إسرائيل المليارات، لا تزال بيروت تتخبط في هذا النزاع.

توجد للبنان مطالب عادلة بالتأكيد في هذا الملف، ولكن، إذا حسبنا اقتصاديا، حساب الربح والخسارة، فسنجده يخسر المليارات، ولا يظهر في الأفق حل للمعضلة.

فهو يتهم إسرائيل بالاعتداء على مياهه الاقتصادية بمساحة 1400 كيلومتر مربع. وإسرائيل ترد بطرح خط حدودي آخر يجعل مساحة الخلاف 860 كيلومترا فقط. وتقول إنها بنت هذا الخط بناء على الخرائط التي عرضها لبنان لحدوده في سنة 2007 ثم تراجع عنها بسبب خلافات سياسية داخلية.

وتدخلت الولايات المتحدة في النزاع وتبنت الاقتراح الإسرائيلي للمساحة (860 كيلومترا) ولكنها اقترحت أيضا تقسيمها بينهما بنسبة 44% لإسرائيل و56% للبنان.

إسرائيل، منذ زمن حكومة بنيامين نتنياهو، تبدي استعدادا للتوصل الى اتفاق مع لبنان. ليس لأنها ترغب في رؤيته عامرا مزدهرا، بل لحسابات اقتصادية وسياسية. فهي تريد استنفاد عصر النفط والغاز، لتوسع مداخيلها بأكبر قدر ممكن.

وترى أن زبائن النفط والغاز في أوروبا يسارعون في البحث عن مصادر طاقة خضراء وسيستغنون عن هذه البضاعة في يوم من الأيام. وأما سياسيا، فترى أن أي اتفاق رسمي بينها وبين لبنان، سيكون ذا مغزى سياسي.

أما في لبنان، الذي يعاني من أزمة اقتصادية ملحة، ويحتاج الى المال كما يحتاج للهواء، فهنالك خلافات داخلية تعرقل التوصل إلى اتفاق. حزب الله يرى في التوقيع على اتفاق اعترافا بإسرائيل.

ومع أن لبنان توصل لاتفاق مبدئي (سنة 2018) لا يعني تطبيعا، فإنه يماطل في المفاوضات، ويطرح مطالب جديدة تعمق الخلاف. وقد هدد الوسيط الأمريكي، عاموس هوكشتاين، بالانسحاب من الوساطة في الشهر القادم إذا لم يتوصل الطرفان لاتفاق.

إنني أفهم العقدة اللبنانية من التطبيع مع إسرائيل. ففي صراع القوى هناك يعتبر التطبيع مشكلة كبرى. بسببها، كان لبنان قد أعلن في سنة 1991، إبان مؤتمر مدريد للسلام أنه سيكون آخر دولة عربية تبرم سلاما مع إسرائيل. وأفهم أن للبنان حقا راسخا في المياه الاقتصادية. وقد تكون مطالب إسرائيل عدوانية.

ومع ذلك، فإن لدى أهلنا في لبنان مشكلة جدية مع الزمن. فهو ببساطة لا يتوقف ولا ينتظر أحدا. الاستمرار في النزاع لا يجدي نفعا، بل يكبد لبنان خسائر جمة. تصوروا لو أنه توصل إلى اتفاق حل وسط، وباشر حفر الآبار في سنة 2013، عندما بدأت المفاوضات مع إسرائيل، كم من المليارات يكون قد جنى؟

في هذه الأثناء، تقوم إسرائيل باستخراج النفط والغاز، وهي التي تعتبر دولة غنية معدل دخل الفرد فيها يضاهي 40 ألف دولار، مقابل الدخل في لبنان الذي يبلغ 5 آلاف دولار (في سنة 2019 بلغ 7660 دولارا). والمال هنا ليس مجرد نقود، إنه يعكس حال البشر، رفاهيتهم أو شقاؤهم، غناهم أو فقرهم، فرحهم أو مقتهم.

لبنان يستحق من قيادته أن تنظر إليه بعين مختلفة. هذا البلد، الذي نجح أن يظل عامرا في عصور الظلام، وتمكن من الخروج من دوامة الاستعمار التركي ليحفظ التراث العربي، لغة وأدبا وقيما جليلة، واستطاع الالتفاف على الحروب والبقاء سويسرا الشرق لقرون طويلة، هذا البلد الحضاري والمحب للحياة يستحق قيادة تغلب الحكمة على أي شيء آخر، حتى لو كان حقا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com