برلمان حزبي لشعب غير حزبي
برلمان حزبي لشعب غير حزبيبرلمان حزبي لشعب غير حزبي

برلمان حزبي لشعب غير حزبي

رمزي الغزوي

من المقرر أن تبدأ اللجنة القانونية في مجلس النواب الأردني، صبيحةَ اليوم الثلاثاء، بمناقشة مشروعي قانوني الانتخاب والأحزاب، عصبي الحياة السياسية، اللذين تقدمت بهما الحكومة، كما ورداها من اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، التي شكّلها الملك عبدالله الثاني منتصف العام الماضي برئاسة رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، تمهيدا لعرضهما على المجلس لإقرارهما.

ومن جملة ما أوصت به اللجنة الملكية أن تكون الدائرة العامة، أو ما يُعرف بالقوائم الوطنية، محصورة بالأحزاب، مع خصّها بأكثر من ثُلث مقاعد المجلس.

الإعلان عن النقاش سبقه ويرافقه حراكٌ محمومٌ يقوده وزراء سابقون ونواب وأعيان وشخصيات، يوصفون في العادة، بالسابحين في فلك الحكومات المتعاقبة والمسبحين بحمدها، لتأسيس أحزاب وازنة تهتبلُ، إن لم نقلْ تنتهزُ، فرصة هذه "الكوتا"، وتقطف مقاعد لم تكن لتحلم بها يوما ما.

غالبية الأردنيين غير معنيين بهذا الحراك لا من قريب ولا من بعيد، فهم عزفوا ويعزفون عن الانخراط في أي حراك سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، الأمر الذي حدا برئيس الوزراء السابق عمر الرزاز إلى أن يصفهم عبر مقالة نشرتها صحيفة الغد قبل أيام "بمعضلة الثلثين".

وهؤلاء هم أنفسهم اللاهثون وراء رغيف خبز يمعن في الهروب من بين خطاهم المنهكة، وهم فئة كبيرة مسحوقة يحقّ للكاتب باسم سكجها، أن يطلق عليهم مسمّى "حزب الفقراء".

في الأردن أكثر من خمسين حزباً لم يكن لها أثر بارز في الحياة السياسية الحديثة، وظلّت ضعيفة تراوح مقراتها، دون أن تتغلغل في مفاصل المجتمع وتحدث تغييرات تُذكر فيه، ربما لأنها جاءت – وسيجيء غيرها - من خارج رحمه وبينيته، ولا تعكس صورته الحقيقية..

ولا أعرف لماذا سيقتطع لها القانون المقترح هذه الحصة الكبيرة من المقاعد، دون أن يكون ذلك نابعاً من طبيعة المجتمع وتركيبته وثقافته، أي كيف يعقلُ أن يكون لدينا أحزاب بكل هذه الكثرة، ونحن غير حزبيين لا في ثقافتنا ولا في وعينا.

من أجل هذا ينظر إلى الأحزاب التي تشكّلت حديثا، وستتشكلُ قريباً بأنها انتهازية لا يجمعها رابط فكري عقائدي، بل ينظمها خيط واحد، هو الأطماع الانتخابية ذاتها، ولهذا فمن المتوقع أن تكون، أي الأحزاب الجديدة، خليطاً مثيراً للسخرية والتندر، إذ سيجتمع اللبن مع التمر مع السمك في صلصة الباربيكيو المُخردلة، دون أية أفكار تجمع أعضاءها، ودون الاستناد إلى نبض الشارع وعكس تركيبته وتطلعاته.

الأردنيون يأنفون ولا يحبون التحزب، بل ولديهم "فوبيا" من الأحزاب برمتها، رغم مرور 34 عاما على عودة الحياة البرلمانية، بعد أن قطعتها الأحكام العرفيّة إثر الإطاحة بأول حكومة حزبية نيابية شكّلها سليمان النابلسي ربيع 1957.

وهذه حقيقة لا يجوز القفز عنها، فالخوف والهاجس والريبة كلها غربان صاخبة، ما زالت تعشش في وجدان الناس، ولا أعتقد أن باستطاعة كوتا حزبية أن تجعل الأردنيين حزبيين كما ينبغي، حتى ولو وصل عدد أحزابهم إلى المئتين، فالأصلُ أن تتشكّل الأحزاب من دافعية نابعة من وجدان المجتمع ورغبته في التغيير والتقدم.

ولهذا، فإن القانون المقترح، الذي سيمرُّ على ما أعتقد من أروقة المجلس النيابي، كما ورد من الحكومة، مع تغييرات طفيفة، يشكّل حرقاً لمراحل كان من المفترض أن يمرّ بها الشارع الأردني بتسلسل منطقي تصاعدي، فالتحزب يبدأ بالرغبة في العمل الجماعي ثم يعقبه التنظيم والإيمان به.

وما إقرار القانون المقترح إلا صعود غير متزن للسلم من درجاته العليا، لا من أوله، ما يعني ارتباكاً وتقهقراً، كما أنه بأي حقّ نعمد إلى تخصيص هذه النسبة العالية لأحزاب عدد المنتسبين إليها لا يصل إلى النصف في المئة من عدد السكان.

ومع معرفتنا الأكيدة أن الكثيرين منهم ليسوا إلا حبراً على الورق، ولا حضور لهم في أحزابهم، التي هي بلا أثر في المجتمع، بأي حق يكون هذا النهج التمييزي للأحزاب وللمنخرطين فيها عن سائر الأردنيين؟ ألا يشكّل هذا خروجاً عن الدستور؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com