التوتر الروسي – الأوكراني.. ونصائح "كيسنجر" القديمة
التوتر الروسي – الأوكراني.. ونصائح "كيسنجر" القديمةالتوتر الروسي – الأوكراني.. ونصائح "كيسنجر" القديمة

التوتر الروسي – الأوكراني.. ونصائح "كيسنجر" القديمة

جمال دملج

لم يعد خافيًا على المراقبين أن أصداء طبول الحرب التي درجت العادة على أن تقرع بين الحين والآخر على طرفي الحدود الروسية – الأوكرانية، منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، وانهيار المنظومة الاشتراكية في أوروبا الشرقية قبل ما يزيد على عقدين من الزمان، باتت تتردد حاليًا بشدة في مختلف أنحاء العالم، حاملة على إيقاعها نذائر الخوف من الآتي الأعظم.

والنذائر هنا لا ترتكز بالضرورة على مخلفات الحرب الباردة بين الجبارين (الأمريكي والسوفيتي) التي سبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن قال عنها، في أكثر من مناسبة، إنّها انتهت في عقول كل العالم باستثناء عقول الأمريكيين، وإنّما على ما يبدو للعيان كأنه سعي متواصل في أوساط الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض لاستخدام الورقة الأوكرانية في صراع الولايات المتحدة مع روسيا.

ولعل من بين أبرز الشواهد على ذلك هو أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما رفضت التجاوب، في العام 2013، مع النصائح التي قدّمها عميد الديبلوماسية الأمريكية المخضرم هنري كيسنجر عندما دعا إلى وجوب التطلع صوب روسيا كعنصر رئيس في أي توازن عالمي جديد عوضًا عن اعتبارها الخطر الوحيد والمطلق الذي يهدد الولايات المتحدة.

والمعروف أن هذه النصائح جاءت في سياق مقال جريء نشره كيسنجر في صحيفة "ناشيونال إنترست" بعيد اجتماعه مع الرئيس بوتين، في 3 شباط/ فبراير، من ذلك العام في بلدة نوفو أوغاريوفو في ضواحي موسكو.
ومما شدد عليه كيسنجر هو أنه "في ظل تكون ّعالم متعدد الأقطاب، فإن من شأن تنسيق الجهود الروسية والأمريكية، وبالتشاور مع الدول الكبرى الأخرى، إيجاد هيكلية لصياغة الحلول السلمية في منطقة الشرق الأوسط، وربما في غيرها من مناطق العالم، بما في ذلك أوكرانيا التي يُفترض أن تتركز الجهود المبذولة من أجل فضّ أزمتها على ضرورة دمجها في إطار هيكلية الأمن الدولي والأوروبي، بحيث تصبح جسرًا يربط بين روسيا والغرب، عوضًا عن أن تكون منطلقًا لهذا الجانب أو ذاك ضد الآخر".

ويشار هنا إلى أن هذا الكلام جاء بالتزامن مع ضلوع الولايات المتحدة في تأجيج حركة الاحتجاجات الأوكرانية في "ميدان الاستقلال" في العاصمة كييف، خاصة بعد الزيارة التضامنية الشهيرة التي قامت بها السفيرة فيكتوريا نولاند للميدان، بصفتها مساعدة وزيرة الخارجية (وقتذاك) هيلاري كلينتون للشؤون الأوروبية والآسيوية.

ولا شك أن هذه الزيارة ساهمت إلى حد كبير في إعطاء دفعة معنوية قوية للمحتجين، الأمر الذي ساهم بدوره في إنجاح الانقلاب على الرئيس الأوكراني؛ الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، تمامًا مثلما ساهم أيضًا بحثّ إدارة الرئيس بوتين؛ في المقابل، على الاستعجال في اتخاذ قرارها بشأن ضم شبه جزيرة القرم إلى المناطق السيادية الروسية.

وعلى الرغم من كافة الجهود الأوروبية التي بذلت من أجل احتواء التصعيد المتواصل، منذ العام 2013، بين الجانبين الروسي والأوكراني، والتي أدت إلى إبرام "اتفاقية مينسك" المؤلفة من 13 بندًا، فإن منسوب التوتر على خط موسكو – كييف لا يكاد يهبط في بعض الأحيان حتى يعاود الارتفاع مجددًا، حاملًا على إيقاعه أصداء طبول الحرب التي يبدو أن الروس يستعدون حاليًا لخوضها إذا ما أصبحت "شرًا لا بد منه".

وما حصل، أمس، لدى اقتراب السفينة الحربية الأوكرانية من المياه الإقليمية الروسية بين البحر الأسود وبحر أزوف، وإن كان مشابهًا تمامًا للحادث الذي تم احتواؤه، في العام 2018، على أثر إرسال الأوكرانيين 3 سفن حربية إلى المنطقة ذاتها، ولكنه ينذر هذه المرة بأن الآتي سيكون أعظم، لا سيما بعدما باتت المشاهد المروعة للاستنفار العسكري على الجانبين تشي بذلك.

ولكن هل تعني هذه المشاهد أن الحرب أصبحت قدرًا لا مفر منه؟

وأغلب الظن أن الإجابة تكمن في مدى استعداد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للاستفادة من النصائح التي قدمها هنري كيسنجر قبل ما يزيد على 8 أعوام من الزمان لكي يصبح في الإمكان البناء على الشيء مقتضاه.
وفي الانتظار، سيبقى باب التوقعات مفتوحًا على كل الاحتمالات.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com