عزوبية "علي بابا"
عزوبية "علي بابا"عزوبية "علي بابا"

عزوبية "علي بابا"

ليس مستغربا أن أعلنت مجموعةُ "علي بابا" الصّينية للتجارة الإلكترونية، أول أمس، رقما قياسيا بحجم مبيعاتها، في يوم "العزّابية" السنوي، إذ أنفق خلاله المستهلكون قرابة 84.5 مليار دولار؛ ليتأكد ما كانت تصدح به الدنيا وما زالت بملء شدقيها: مصائب قوم عند قوم فوائد.

عالمنا يتشردق بتقويم يخصّص يوما للأشياء الآيلة للانقراض أو السقوط، أو تلك التي تتقهقرُ على عتبات خرابها الكبير، والأمثلة تطول، من يوم للأوزون، إلى الشعر، إلى الصداقة، وصولا إلى الحب والوفاء. لكن تلك الأيام، لم تعد إشارات إلهامية تذكرنا بالالتفات نحو مغزاها وجوهرها، أو إلى ما تحتاجه لإنقاذها، بل غدت منفذا رحبا للتجار، ومتنفسا نفيسا لشهوة الاستهلاك وشراهته. فيوم الأم مثلا، أصبح تجارة مطبخية بامتياز، فيما صار للورد الأحمر سوق سوداء تبيّضُ يوم الحب.

قبل ربع قرن سعت جمعيات طلابية في بعض الجامعات الصينية إلى لفت أنظار المجتمع إلى مضار الوحدة التي تسببها العزوبية، واختار القائمون عليها يوم 11/11 (والأرقام تشير إلى الوحدة)؛ ليكون احتفالا كبيرا يلتقي فيه الشبان والشابات؛ علهم يجدون أنصافهم عبر ما يسمى بـ"المواعيد العمياء"، أي دون سابق معرفة. لكن "علي بابا" وبمعرفة تامة لامّة جاءت، والتقطت الفكرة، وركبت الموجة، وحققت ما حققته، بعد عزفها على وتر حساس.

ربما أن يوم العزّابية كان شعورا إنسانيا مضمّخا بالاحتياج والخوف من الوحدة والتآكل فيها، أو ربما كان على العكس من ذلك تمجيدا لها لدى من يرون أن من اللاجدوى أن نمنح العالم مزيدا من العبث، عبر أبناء نبثهم من خلال زواجنا. وهذا يتقاطع مع ما قاله الفيلسوف سقراط. فرغم أنَّه كان تعيسا بزواجه؛ إلا أنه نصح الشّباب بأن يتزوّجوا. فأما أن يكونوا سعداء، أو يصبحوا فلاسفة.

أحد الشباب، الذين كانوا يعتصمون بحبل العزوبية، جنح كما أخبرني، إلى الأخذ بنصيحة سقراط؛ فتزوّج، وحين عاد مسرورا إلى عمله؛ نزع حزامه وانهال على زملائه المتزوجين ضربا؛ لأنهم كانوا يخفون عليه لذاذات عالمهم السري وطيبته. ولكنّ أحد الذين نالتهم جلداته صرخ به متألما: يا رجل. الزواج برميل بوجهين: وجه للعسل، وآخر للبصل. فاصبر وستعرف المذاق الحقيقي، حينما تخلطك الحياة، وتخضك في مساراتها ودروبها.

أعتقد أن الفقر لم يعد السبب الوحيد المعيق للإقبال على الزواج. فنحن نعرف شبابا وشابات شقوا طريقهم في الحياة، وهم ناجحون جدا. ولكنّ فكرة الزواج راحت تبتعد عنهم أكثر كلما ازدادوا نجاحا، وهذا يعود إلى قصور في فهم عالمنا، كما يرى البعض منا. فلو أن النوايا سليمة لديهم؛ لبحثوا عن أنصافهم، من أجل تكامل أكثر في النجاح.

من جانب آخر، سيبقى من المؤلم أن ينهمك الشبان في تحقيق الذات، ويسعون إلى تحسين حياتهم؛ وحين ينجحون بقوة، ينظر إليه المجتمع بأنهم ليسوا مشاريع جيدة للزواج، وخاصة الفتيات الناجات، إذ يخاف الشباب أن يرتبطوا بهن؛ لاعتقادهم بأنهن استحواذيات؛ وسيضيعون في جوارهن.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com