مصادر الطاقة.. وأسرار مغامرات التنقيب التركية في الجوار الإقليمي
مصادر الطاقة.. وأسرار مغامرات التنقيب التركية في الجوار الإقليميمصادر الطاقة.. وأسرار مغامرات التنقيب التركية في الجوار الإقليمي

مصادر الطاقة.. وأسرار مغامرات التنقيب التركية في الجوار الإقليمي

جمال دملج

لم يكن من المستغرب أن تسارع وزارة الخارجية التركية إلى توجيه انتقاداتها للبيان الختامي الصادر يوم الثلاثاء الفائت عن القمة الثلاثية التاسعة، التي جمعت في أثينا كلا من رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والقبرصي نيكوس أناستاسيادس.

إذ إن العادة درجت خلال السنوات الماضية على أن لا تضيع أنقرة أي فرصة مشابهة، على غرار ما فعلته مؤخرا عندما قالت إن البيان يعد "تجسيدا جديدا للسياسات العدائية من ثنائي اليونان – جنوب قبرص تجاه تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية".

ولكن اللافت هذه المرة يتمثل في أن استخدام توصيف "السياسات العدائية" في المواقف التي عبرت عنها الخارجية التركية لم يكن موفقا، ولا سيما أن العالم يدرك أن الجهة التي تنتهج مثل هذا النوع من السياسات هي تركيا، وأن طرفي الثنائي المستهدفين بالتوصيف المذكور؛ أي اليونان وقبرص، لا يزالان يظهران أكبر قدر من الانضباط في مواجهة تركيا.

وإذا كان سيل الدلائل على ذلك له أول وليس له آخر، فإن الأبرز في هذا المجال؛ على سبيل المثال وليس الحصر، يتمثل في أن قوات حرس السواحل القبرصية عندما وجهت في أحد أيام شهر أيار \ مايو العام 2017 إنذارا عبر مكبرات الصوت لسفينة "برباروس خير الدين باشا" التركية لدى اقترابها من المياه الإقليمية للجزيرة، سارع قبطانها إلى الرد على الإنذار عن طريق تشغيل النشيد العسكري العثماني من هاتفه المحمول عبر مكبرات الصوت أيضا، ما جسد في حينه تحديا مباشرا لسيادة دولة مستقلة ومنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي.

وللتنويه بحالة الانضباط هنا، فإن السلطات القبرصية تفادت وقتذاك الدخول في مواجهة مباشرة، واكتفت لاحقا بإصدار مذكرات اعتقال دولية بحق أفراد يعملون على متن سفن تنقيب تركية عن الغاز الطبيعي في المنطقة الاقتصادية القبرصية الخالصة.

ولعل خصوصية هذا التنويه تتمثل في أن الحادثة تزامنت مع ارتفاع حدة الأصوات في أوساط القبارصة الأتراك، الذين يعيشون منذ زمان الغزو التركي وتقسيم الجزيرة العام 1974 في كنف ما يسمى بـ"جمهورية شمال قبرص التركية" التي تم الإعلان عن تأسيسها العام 1983، للمطالبة بالكف عن قبول السيناريوهات المعدة في أنقرة لرسم ملامح مستقبلهم، أملا في أن يؤدي ذلك إلى إفساح المجال أمامهم للدخول في اندماج مع القبارصة اليونانيين في الشطر الجنوبي المعترف به دوليا تحت اسم: الجمهورية القبرصية.

وكان الرئيس القبرصي التركي السابق مصطفى أكينجي نفسه من بين أصحاب هذه الأصوات، ولا سيما أنه دأب خلال فترة رئاسته على توجيه الانتقادات لسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخارجية، على غرار ما فعله في شهر تشرين الأول \ أكتوبر العام 2019 عندما وصف عملية "نبع السلام" التركية في شمال سوريا قائلا: "هناك دم يراق وليس ماء"، داعيا إلى انتهاج أساليب الحوار والدبلوماسية من أجل وضع حد للحروب، الأمر الذي دفع أردوغان إلى القول إن أكينجي "تجاوز الحدود تماما (...) وفي الوقت المناسب سنرد عليه بالشكل الملائم".

وبالفعل، فقد جاء الرد من خلال التدخل التركي المكثف وغير المسبوق في معركة الانتخابات الرئاسية لـ"جمهورية شمال قبرص التركية" التي جرت في شهر تشرين الأول \ أكتوبر العام 2020، إذ إن أكينجي لم يتمكن من الحصول على أكثر من 48 في المئة من عدد أصوات أصحاب حق الاقتراع، بينما حصل منافسه القومي المدعوم من أنقرة إرسين تتار على ما يزيد عن 51 في المئة.

ولربما من المفيد الإشارة هنا إلى أن أكثر ما ظل يتجلى في مواقف أكينجي طيلة فترة رئاسته غالبا ما كان ينبثق عن دعواته المتكررة لأبناء شعبه إلى التخلي عن استخدام عبارتي "الوطن الكبير" و"الوطن الصغير" التي تطلقها الأوساط القومية على العلاقات النمطية السائدة ما بين تركيا وما بين الشطر الشمالي من جزيرة قبرص منذ أيام الغزو في السبعينيات ولغاية يومنا الراهن.

هذا الكلام، إذا ما استتبع بالتذكير بأن نتيجة المسح الجيولوجي الذي أجرته السفينة الأميركية "نوتيلس" للمناطق الواقعة شرقي المتوسط قبل بدء عصف "ربيع العرب" العام 2011 أظهرت عدم وجود أيّ ثروات من النفط أو الغاز داخل المياه الإقليمية التركية؛ وفقًا لما كان "مركز فيريل للدراسات" قد أفاد به في شهر أيار \ مايو العام 2017، فإنه يعتبر في المحصلة النهائية الكلام الأكثر دقة للكشف عن السر الكامن وراء الانتقادات اللاذعة التي وجهتها وزارة الخارجية التركية يوم الثلاثاء الفائت للبيان الختامي الصادر عن قمة أثينا الثلاثية الأخيرة.

وإذا هذه الانتقادات قد حملت في سياقها موقفا مؤداه أنه "لا يمكن أن يكتب النجاح لأي مبادرة شرقي المتوسط بمعزل عن أنقرة وجمهورية شمال قبرص التركية"، فإن ذلك يشي في نهاية المطاف بأن ثمة رغبة تركية جامحة تستهدف الحصول على أي نصيب من مصادر الطاقة الوفيرة في جوارها الإقليمي، وخصوصا في جزيرة قبرص التي لا يزال أبناءها، سواء في الشمال أم في الجنوب، يدفعون ضريبة الغزو التركي الذي أدى إلى تقسيم الجزيرة قبل أكثر من 47 عاما من الزمان... وهنا يكمن البيت في القصيد!

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com