30 سنة على قيادة نتنياهو

30 سنة على قيادة نتنياهو

نتنياهو يقود حكومة منفلتة، تحيط بها الفوضى، وتغرق في حقول ألغام، خارجية وداخلية، ولا تفلح في طرح حلول لأي من المشاكل والتحديات التي تواجهها.  

بغض النظر عن كل ما يجري في إسرائيل، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بنزول ربع مليون مواطن الى الشوارع في مظاهرات، والتمرد على أوامر التجنيد الاحتياطي من مئات الطيارين في سلاح الجو ووحدات الكوماندوس والسايبر، والتوتر الأمني الشديد في المناطق الفلسطينية المحتلة، وفي الحدود مع لبنان، والانتقادات الدولية، اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إمضاء نهايات الأسابيع الأخيرة في احتفالات خارج البلاد.

فقد سافر إلى روما، ليحتفل وزوجته بعيد زواجهما، وكانا سيسافران إلى برلين للاحتفال بمناسبة أخرى في الأسبوع الماضي، لكن تسلل شاب من لبنان حاملا عبوة ناسفة نوعية، شوش الرحلة فسافر وحده وقلص الزيارة من 3 أيام إلى يوم واحد. ويسافر في نهاية هذا الأسبوع إلى لندن، حيث يصادف يوم السبت (25 مارس) مرور 30 سنة على انتخابه رئيسا لحزب الليكود وزعيما لمعسكر اليمين في إسرائيل.

ولكن، حتى المقربون من نتنياهو يتعجبون من نيته الاحتفال ويتساءلون إن كان هناك ما يحتفى به في هذه التجربة؛ فإسرائيل التي تشهد انعطافا مضطردا إلى اليمين خلال عشرات السنين الأخيرة، تبدو في ظل حكم نتنياهو كمن توقف عنده هذا المد اليميني وبدأ رحلة انعطاف الى الوراء لانتخاب قيادة لها من منابع أخرى غير يمينية.

لقد جاء اليمين إلى الحكم في إسرائيل عبر مسيرة طويلة ومريرة، توجت في انتصاره سنة 1977، بعد سنوات عجاف قاسية، كانت حكومات حزب العمل الاشتراكي تتجبر فيه وفي الجمهور الذي يستند إليه، ورغم مضي سنوات طويلة على حكم اليمين مازال يبدي مظاهر تدل على أنه يعاني من انعدام الثقة بنفسه.

وإذا كان اليمين في الماضي يستصعب الحكم وحده، فحرص على إشراك أحزاب من التيار الليبرالي معه، يبدو اليوم وقد أصبح يحكم وحده بلا شركاء من الوسط أو اليسار، كمن يعجز عن الحكم، ونتنياهو يقود حكومة منفلتة، تحيط بها الفوضى، وتغرق في حقول ألغام، خارجية وداخلية، ولا تفلح في طرح حلول لأي من المشاكل والتحديات التي تواجهها.

نتنياهو يدخل في صدام مع غالبية الشعب، ومع الجيش والمخابرات والشرطة، ومع القطاع الاقتصادي ومع قادة الهايتك ومع المؤسسات الأكاديمية والدوائر الحكومية.

نتنياهو هو ابن الجيل الثالث في قيادة اليمين الإسرائيلي، الجيل الأول تمثل في القائد المؤسس زئيف جابوتنسكي وشريكه مناحم بيغن، الذي جلب اليمين الى الحكم، وإسحق شمير، الذي تابع مسيرة بيغن دون بصمات جدية، والجيل الثاني قاده الجنرال أرئيل شارون، الذي سجل على اسمه تشكيل حزب الليكود الموسع بالاشتراك مع الليبراليين الأحرار، لكنه بالتالي انقلب على الليكود وهجره. والجيل الثالث هو جيل نتنياهو وسلفه، إيهود أولمرت، لكن أولمرت ذهب مع شارون، وأبقى نتنياهو زعيما وحيدا لا يهدده أحد.

بيغن، اكتشف بأن "النقاش الأيديولوجي" في الشارع السياسي الإسرائيلي لا يطعم خبزا ولا يؤدي للفوز بالحكم، فرضخ للخبراء "العصريين"، الذين اكتشفوا بأن الناس لم تعد تذهب وراء المبادئ وينبغي إثارة مشاعرها وغرائزها وتربية مجموعات من المواطنين الذين يسيرون وراء القائد بعمى.

تبنى فكرتهم حول "استغلال غضب الناس على الحكومة"، وكان معلما في فن الخطابة، فجرف الجمهور وراء الشعارات الديماغوجية بمحاربة العنصرية ضد الشرقيين، لكن بيغن لم يستطع التحرر من ثقافة الحكم البريطانية، وظل متمسكا بعدد من القيم اللبرالية اليمينية.

شارون كجنرال ذي رصيد غني من الحروب، كان يتمتع بثقة بالنفس، زائدة عن الحد، فأقدم على هزات سياسية جعلته يحطم المشروع الاستيطاني في قطاع غزة ويقوم بترحيل المستوطنين اليهود بالقوة، وبعد أن تخلص من القائد الفلسطيني ياسر عرفات، تحالف مع شمعون بيرس صاحب مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، وراح يعد خطة للتخلص من الاحتلال ورفع مكانة إسرائيل في المنطقة وفق مبادئ التعاون والشراكة.  

أخبار ذات صلة
للأسبوع الـ11.. إسرائيليون يواصلون الاحتجاج على خطة نتنياهو لإصلاح القضاء

نتنياهو قبض هذا "الإرث"، لكنه استخدمه على الطريقة الأمريكية وليس البريطانية؛ فواصل التحريض على العنصرية ضد الشرقيين، مع أنه تفوق على خصومه في الإساءة للشرقيين.. تحدث عن الوحدة الوطنية، لكنه داس على منافسيه، وأحرق خصمه دافيد ليفي، مغربي الأصل.. تحدث عن الديمقراطية، وعن إسرائيل كـ"واحة للديمقراطية" لكنه جاء بخطة وقانونية سياسية لضعضعة أركان الديمقراطية.. وضع في رأس سلم خطابه السياسي مفاهيم الحكم الغربي الحضاري، وتورط في فساد جشع ينافس به أنظمة التخلف المتعسفة التي تنهب خيرات شعوبها.

واليوم يدخل نتنياهو في صدام مع غالبية الشعب، ومع الجيش والمخابرات والشرطة، ومع القطاع الاقتصادي ومع قادة الهايتك ومع المؤسسات الأكاديمية والدوائر الحكومية ويدخل في مواجهة عنيفة مع كل ما يسمى بالدولة العميقة.

صورة المشهد تقول إنه سيتسبب، ليس فقط بوقف التحول في المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، بل في وضع حد لحكم اليمين في إسرائيل لسنين طويلة. لهذا، يحتفل بالمناسبة في لندن، فيما يرفع المتظاهرون في تل أبيب صورة له بلباس سجين جنائي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com