تاج الدين عبد الحق
تاج الدين عبد الحقرئيس تحرير موقع إرم نيوز

قمة أبوظبي التشاورية

الإطار الفضفاض الذي تم به توصيف القمة الخليجية العربية في أبوظبي، ترك الباب مفتوحا أمام اجتهادات كثيرة حول معنى القمة وهدفها والنتائج المحتمله لها.

من الناحية الرسمية وُصفت القمة بأنها لقاء أخوي تشاوري، وهي بهذا التوصيف المجرد، لا تختلف عن كثير من اللقاءات العربية خاصة تلك التي كانت تُعقد في غياب اللقاءات العربية الجماعية، وفي ظل تباين المواقف العربية التي بات معها التئام اللقاءات الجماعية إنجازا بحد ذاته، حتى لو كانت تلك القمم منزوعة الدسم أو باهتة المخرجات.

ومنذ أن بدأت الاجتماعات العربية الجماعية تتعثر، إن على مستوى القمة العربية أو حتى على مستوى الاجتماعات الوزارية، كانت اللقاءات العربية الثنائية، أو الجاهزية هي التي تملأ الفراغ، وتسد الثغرات.

تأتي قمة أبوظبي الخليجية العربية لتأسيس شكل جديد من العمل العربي المشترك القائم على فهم ناضج لأوضاع المنطقة وللتحديات التي تواجهها في هذه المرحلة.

في الشكل، كانت تلك اللقاءات تبدو لمن اعتاد على الصدى الإعلامي والبروتوكولي التي كانت تتركها اللقاءات العربية الجماعية، محبطة، حيث اعتبرها هؤلاء نوعاً من التكريس لحالة الانقسام العربي الموروث عن الاضطراب في المشهد العربي منذ اندلاع عاصفة الربيع العربية التي خلخلت النظام العربي وتركته نهبًا لمواقف سياسية، وإحباطات اقتصادية، واختلالات اجتماعية وأمنية.

لكن المفاجأة، أن التصدع الذي شهده النظام العربي التقليدي، ظل محصورا في العواصم الكبرى التي كانت تقود مسيرة العمل العربي للدرجة التي انشغلت فيها تلك العواصم عن الدور الذي كانت تلعبه كحاضنة، أو قاطرة لتلك المسيرة.

وفي موازاة ذلك، ظهرت العواصم العربية الصغرى التي كان يُنظر إليها في مؤسسات العمل العربي المشترك، ككمالة عدد، تُرجح فيه كفة التصويت، أو تُفرَض عليها الإتاوات العينية والمالية، دون أن يكون لها موقع فعلي في صياغة القرارات، وفي تحديد الوسائل، ورسم النتائج.

ولم يكن تنامي دور الدول العربية الصغيرة حجماً تنامياً سهلاً أو مرحباً به، إذ ظل هناك كثير من الدول العربية مَن يعتبر تنامي هذا الدور وزيادة تأثيره نوعاً من التطاول، وظل معيار الحجم الجغرافي والديمغرافي هو الأساس في التقييم، فاستكثرت وأنكرت عواصم القرار العربي التقليدي على الدول العربية الأصغر دورها الجديد، وقامت لفترة طويلة بمقاومة هذا الدور وعطلت بأكثر من شكل جهود هذه الدول في تصحيح مسار العمل العربي وتجديد أولوياته.

الدول العربية الخليجية لم تتأخر في السابق وعبر اتفاقات ثنائية، عن تقديم الدعم والمساندة لمصر والأردن.

في إطار هذا الفهم للدور الذي أخذت دول الخليج تلعبه منذ بعض الوقت، وفي ظل حالة الاستقرار الذي تعيشه هذه الدول، إن على الصعيدين الأمني والاقتصادي، وفي سياق المكانة الاقتصادية والاستثمارية، التي أخذت تحتلها في الخريطة العالمية تأتي قمة أبوظبي الخليجية العربية لتأسيس شكل جديد من العمل العربي المشترك القائم على فهم ناضج لأوضاع المنطقة وللتحديات التي تواجهها في هذه المرحلة..

عنوان هذا الشكل الجديد هو الحرص المشترك على أمن واستقرار المنطقة، لا في مواجهة التحديات الخارجية فحسب، بل إزاء التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها بعض الدول العربية في الداخل، وفي مقدمتها مصر التي تشكل بحجمها وموقعها الجغرافي وثقلها البشري حجر الزاوية في الأمن العربي ثم الأردن الذي يشكل بموقعه ودوره التاريخي، بوابة من بوابات الاستقرار الإقليمي.

وضمن هذا الإطار، يمكن أن نفهم معنى قمة أبوظبي التشاورية، ونقدر في ذلك الإطار النتائج التي يمكن توقعها وتقديرها، فكلا البلدين العربيين مصر والأردن يواجهان وضعاً اقتصادياً دقيقاً، يحتاجان معه إلى حزمة من الدعم الاقتصادي والمالي العاجل..

صحيح أن الدول العربية الخليجية لم تتأخر في السابق وعبر اتفاقات ثنائية، عن تقديم الدعم والمساندة لمصر والأردن، إلا أن الواضح أن ما يحتاجانه حالياً يتجاوز الإسعاف العاجل، إلى وضع خطط دعم متوسطة وطويلة الأجل وبتمويل جماعي، لا بهدف مواجهة الاستحقاقات العاجلة، بل وضع صيغ عمل إنقاذية تخرج اقتصادات البلدين من أزماتها ومشكلاتها المستعصية.

دول الخليج العربية التي لم تتأخر منذ السبعينيات، وحتى الآن، عن تقديم المساعدة والدعم المالي والاقتصادي للدول العربية، لديها اليوم النموذج التنموي الناجح الذي يمكن أن تطوعه لخدمة الاقتصادات العربية المتعثرة، وهي في جهودها هذه لا تنظر لدعم الاقتصادات العربية على أنها مسؤولية سياسية وأمنية فقط بل إنها يمكن أن تشكل عمقاً للإمكانيات الخليجية التي تتطلع للأسواق الخارجية، سواء في الإقليم أو في العالم كحاضنة توفر للاقتصاد الخليجي استمرار النماء والتطور.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com