فوز الرئيس الروسي بالولاية الخامسة
فوز الرئيس الروسي بالولاية الخامسةإرم نيوز

فلاديمير بوتين.. رئيس روسيا الذي "لم يُهزم" (وثائقي إرم)

مرّة أخرى، فلاديمير بوتين رئيساً لروسيا في ولاية خامسة، وهو الذي تخطّى الـ70 عاماً، قضى نحو ثُلُثِها متربعاً على عرش السلطة في البلاد، فيما لا يمكنُ توقع ما يمكنُ أن يُقْدِمَ عليه بوتين في المستقبل، ليبقى الغموض يلفُّ آداءَه، والتكهنات تظلّل تصرفاته. فمَنْ هو الفتى الشرس ورجلُ المخابرات، ثمّ الرئيس الذي لا يمكن اللعب مَعَه.

وُلِدَ بوتين في مدينة لينينغراد، تُعْرَفُ اليوم بمدينة سان بطرسبورغ، وكان فتىً شرساً في المدرسة وَفْقَ ما عُرفَ عنهُ آنذاك، إلّا أنّ هذا الفتى كان بحاجة إلى فضاء أوسع، فاتّجَه إلى تعلُّم فنون القتال الروسية، ومن ثمَّ التحق بدروس الجودو لينالَ في سنِّ الـ18 الحزام الأسود.

بوتين مع الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسن
بوتين مع الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسن غيتي

ويقول الخبير الجيوسياسي كريس رومن في حديثه مع "إرم نيوز"، إنّه "في رياضة الجودو تتعلم أنّه عندما يكون عدوّك قوياً جدّاً، عليك أن تستخدم تلك القوّة ضدّه. كما أعتقد أنّ بوتين هو لاعب شطرنج جيّد، وتلك اللعبة تعني أن عليك التفكير بـ10 خطوات قبل أن تبدأ في الخطوة التي عليك اتخاذها... وعندما تمزج كلّ ذلك معاً في شخص واحد، يكون لديك رجل قوي لا يمكنك أن تهزمه".

المخابرات والعودة من ألمانيا الشرقية

قادتْهُ جرأتُه إلى أن يقصدَ مَقرَّ المخابرات السوفيتية في لينينغراد (كي جي بي)، وهو المقرُّ الذي كان الكثيرون يَخْشَوْنَ الدخولَ إليه. وعقب تخرّجه من كلية القانون العام 1975 انضمّ إلى السلكِ المخابراتي. ونقلت عنه صحيفةُ واشنطن بوست العام 2000 قولَه بشأن انضمامه إلى المخابرات: "كانت لديَّ حوافزُ كبيرة، فكنتُ أعتقدُ أنّني سأكونُ قادراً على توظيف مهاراتي على أفضلِ نحو لخدمة المجتمع".

ويوضح الأكاديمي والديبلوماسي السابق الروسي فيتشسلاف ماتوزوف لـ "إرم نيوز"، أنّ "فلاديمير بوتين كان يعمل في مدينة درسدن حيث كان يوجد مركز المخابرات في ألمانيا الشرقية، وكان على اتصال مع الأجهزة الاستخباراتية في ألمانيا، وقد حاز في تلك الفترة على وسام الإستخبارات هناك".

كان ذلك العام 1985، وهو كان انتقل إلى درسدن عقب تعلّمه اللغة الألمانية، لكنَّه لم يحصل على ما كان يحلُمُ به في فضاء العمل الإستخباراتي، إلى أن أتى نوفمبر العام 1989، وآنذاك كانَ بدأ نظام ألمانيا الشرقية بالانهيار، فبدأت حقبة جديدة وكان بوتين أحد عناوينها.

بوتين خلال فترة الدراسة - ما قبل الأخير من الشمال
بوتين خلال فترة الدراسة - ما قبل الأخير من الشمالمتداولة

نقلة نوعية في حياة بوتين السياسية

النقلة الكبيرة في حياة بوتين السياسية كانت العام 1996 عندما انتقل إلى العاصمة موسكو، حيث بدأ العمل في الكرملين. العام 1998 صعد إلى منصب رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي العام، وبعد أقلَّ من عام تمَّ تعيينُه كنائب لرئيسِ الوزراء، وعيّنَهُ الرئيس الروسي حينها بوريس يلتسن رئيساً للوزراء بالإنابة. وعندما استقال الأخير من منصبِه، أصبح بوتين رئيس روسيا بالوكالة العام 1998 ليتمَّ انتخابه رئيساً للبلاد العام 2000.

هنا يعقّب السفير الروسي السابق ألكسندر زاسبكين في حديثه لـ "إرم نيوز" بالقول، إنّ "بوريس يلتسن استقال واقترح فلاديمير بوتين بديلاً له، والأخير كان شخصاً غير معروف في الأوساط الواسعة، لكنّه كان يتميّز ببعض الصفات التي تعتبر جذابة بالنسبة للشعب. وصحيح أنّه أتى من عالم المخابرات، لكنّه دائماً ما كان يتمسّك بالدولة الروسية".

ومع دخوله نادي الرؤساء، بقي بوتين رئيساً لروسيا باستثناء الفترة الممتدة بين عامي 2008 و2012، حيث انتُخب ديمتري ميدفيديف رئيساً وتولّى بوتين منصب رئيس الوزراء.

فلاديمير بوتين تعلم منذ الصغر فنون الجودو ونال الحزام الأسود
فلاديمير بوتين تعلم منذ الصغر فنون الجودو ونال الحزام الأسودمتداولة

كان الرجل يأمل أن يتمكن من بناء علاقة إيجابية مع الغرب لكنْ بشروطه الخاصة، مَعَ الاحتفاظ بالنفوذ الذي كان يملكه الاتحاد السوفيتي، إلّا أنّه دائماً ما كانَ يعتقدُ أنّ الغرب كان يحاول بشكل حثيث محاصرة روسيا وعزلها.

وفي السياق يقول زاسبكين: "في تلك المناسبة يجب الإشارة إلى خطاب مهم جدّاً العام 2007 في مؤتمر الأمن في ميونخ، آنذاك قال بوتين إنّه من غير المقبول اختزال الأمور بقطب واحد يسيطر فيها على الأوضاع، وبالتالي نحن نريد أن تكون هناك تعدّدية في الأقطاب مع تعاون بالتساوي"، مشيراً إلى أنّ بوتين "دائماً ما كان يريد أن تكون علاقات روسيا مع الغرب جيّدة، إنّما من غير المقبول أن يكون هناك توجّه مغاير مثل توسّع حلف الناتو على سبيل المثال".

لكن بداية الصراعِ الفعلي كانت حرب أوسيتيا الجنوبية. كان ذلك العام 2008. إبّانَ تلك الفترة كان تعهّدَ الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي بالانضمام إلى حلف الناتو، وهي خطوة رأى فيها بوتين تجاوزاً لخطٍ أحمر. وفي غضونِ 5 أيّام، تمكّنتْ القوّات الروسية من هزيمة الجيش الجورجي لتفرض سلاماً وصف بأنّه مهين للرئيس الجورجي آنذاك.

بين جورجيا العام 2008 وحرب أوكرانيا العام 2022، كان ضمُّ شِبهِ جزيرة القرمْ أبرز سمات العام 2014، وذلك في أعقاب احتجاجاتٍ في أوكرانيا أجبرت الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش على التنحي.

لم تكن رئاسة بوتين سهلة، فقد واجَه تحديات صعبة داخل روسيا وخارجها، فيما لم يتوقفْ الطامحون إلى لعب أدوارٍ كبيرة ومهمّةْ في روسيا، عندَ خطوط بوتين الحمراء، لكنَّه في كلّ مرّة كانَ يعمل على وَأْدِ محاولات تقويض سُلطَته من قبل الأوليغارشيين والليبراليين، وإنْ تخطّتْ في بعض الأحيان مَهْدَها.

لكنّ الغرب يعتبر أنّ تمرُّد قائد قوات فاغنر الراحل يفغيني بريغوجين مؤخراً، كشف أنّ قبضة بوتين على السلطة لم تعد قويةً كما كانت من قبل، فيما يبقى من الصعب فكُّ رموز سياسات النُخْبَة الروسية الداخلية، والمُنافَسة من الخارج.

وفي ذلك الصدد، يقول كريس رومن إنّ "بوتين ذكي بما فيه الكفاية ليفهم ما هي المخاطر، إذ أنّ الحرب المباشرة مع الأغنياء قد تكون أمراً خطيراً على الحياة الشخصية، وكنت أشرت ذات مرّة في إحدى المقابلات التي أجريتها منذ نحو 3 سنوات، إلى أنّه على بوتين أن يتنبّه لأنّه من الممكن أن يتمّ قتله... الأوليغارشيون ليس لديهم قلب". ويتابع أنّ "غالبية الشعب في روسيا اليوم فهمت أنّه بإمكانك أن تكون مليارديراً لا مشكلة، لكن عليك اللعب بأمانة، وأن تخدم مصالح الشعب الروسي".

إلّا أنّه في ظلّ كَثْرَة التكهنات، يبقى الثابت أنّ بوتين وبموجب سلسلة من التعديلات الدستورية التي أُقرّت العام 2020، يمكنُهُ البقاء في منصبه حتّى العام 2036، فيما تبدو ملامح سنوات الولاية الخامسة مختلفة تماماً استناداً إلى الظرفِ السياسي العالمي.

ويضيف كريس رومن: "أعتقد أنّه عندما تنتهي الحرب مع أوكرانيا، سيكون هناك نوع من عملية التنظيف الداخلية في روسيا، لأنّه مازال هناك ما نسميه بالطابور الخامس، هؤلاء هم الروس لكنّهم يتعاونون مع العدو".

بوتين خلال التصويت في انتخابات العام 2000 الرئاسية
بوتين خلال التصويت في انتخابات العام 2000 الرئاسيةمتداولة

غموض حول حياة بوتين العائلية

في المحصّلةْ، فإنَّ انتخاباتِ العام 2024 الرئاسية تعزّزُ مكانة فلاديمير بوتين في السلطةْ حتّى العام 2030، ليبقى على رأس الكرملين وسط أمل بسيط بإمكانية حصول متغيّراتٍ داخلية مهمّة تطال حياة الروس، الذين لا يعرفون إلّا القليل عن حياة رئيسِهم الشخصية والعائلية، فهم أنفسُهمْ يهتمون بتلك التفاصيل بذات القدر الذي يريد هو أن يكشفَه بشأنِها".

وهنا يقول زاسبكين: "نحن نعرف أنّ الرئيس بوتين لا يحب أن يتحدّث كثيراً عن الجانب العائلي لأنّه يعتبر أنّ ذلك شأن خاص، وبالتالي لا رغبة كبيرة لدى الناس للتعمق في ذلك الموضوع. نحن نهتم بالموضوع فقط بقدر ما يهتم بوتين نفسه بذلك، فإذا كان يريد أن يعلن شيئاً أمام الناس نسمع، وفي حال لا يريد إعلان شيء، فنحن لا نسعى للتعمّق في ذلك الأمر".

صورة للرئيس الروسي في طفولته
صورة للرئيس الروسي في طفولتهمتداولة

من جانبه يوضح كريس رومن: "هو لا يتحدّث عن العائلة كثيراً، لكن له إبنتان، تعيشان في الغرب، وهما متزوجتان من رجلين من ذوي الرتب العالية هناك، وتحملان اسمي زوجيهما وليس اسم بوتين. يمكنني أن أفهم أنّ بوتين يريد أن يحمي ابنتيه، وفي الواقع، أعتقد أنّ هناك نوعاً من الاتفاق، وقال لهما: بناتي العزيزات، أنا رئيس أكبر دولة في العالم، وأنتما ابنتاي فلا أريد أن يتمّ خطفكما لابتزازي. إذاً، إنْ كنتما تريدان العيش في الغرب، فليكن ذلك سرّاً لأنّ الأمر قد يكون خطيراً جدّاً".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com