ضباط عسكريون صوماليون في مقديشو
ضباط عسكريون صوماليون في مقديشورويترز - أرشيفية

"فورين أفيرز": واشنطن فشلت بتطوير إستراتيجية طويلة المدى في الصومال

قالت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، إن تركيز الولايات المتحدة "الضيق" على مكافحة الإرهاب في الصومال لن يحقق السلام في البلاد.

وأشارت المجلة في مقال تحليلي للصحفية سارة هاريسون، التي تعمل مع  مجموعة الأزمات الدولية، إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن ومنذُ توليه منصبه، العام 2021، أنهى مشاركة الولايات المتحدة في بعض صراعات ما بعد هجمات 11 سبتمبر، فيما بقيت الصومال تشكل "استثناءً صارخًا".

ضباط أمن صوماليون بالقرب من  مسرح هجوم مسلح لجماعة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة في مقديشو
ضباط أمن صوماليون بالقرب من مسرح هجوم مسلح لجماعة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة في مقديشورويترز - أرشيفية

وبينت أن الجيش الأمريكي ساعد، على مدار أكثر من 16 عامًا، بشن حرب ضد حركة الشباب، الصومالية المتطرفة، التي ظهرت، في العام 2006، كما لا تزال واشنطن تشن عشرات الغارات الجوية كل عام، وتنفق الملايين من الدولارات لتدريب وتجهيز وحدة القوات الخاصة الصومالية المعروفة باسم "دناب".

واعتبرت الكاتبة أن أمريكا فشلت في تطوير إستراتيجية طويلة المدى للتعامل مع الصومال، مشيرة إلى أن الأخيرة ظلت، ولفترة طويلة، على هامش حرب الولايات المتحدة على الإرهاب، رغم أن إدارات الرؤساء الأمريكيين السابقين جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، ودونالد ترامب، ركزت بالرد بقوة على تهديد حركة الشباب الصومالية.

إستراتيجية  "جز العشب"

وأوضحت أن الولايات المتحدة أصبحت راضية حتى الآن عن إدارة المشكلة في الصومال من خلال إستراتيجية (الاحتواء)، وهي إستراتيجية وصفها بعض المسؤولين الأمريكيين بأنها سياسة "جز العشب"، أو تقليص قدرات حركة الشباب الصومالية بشكل دوري دون الدفع بجدّية نحو سلام دائم في البلاد.

وقالت الكاتبة إن "الوقت قد حان، الآن، لتغيير ذلك المسار، وإن على واشنطن أن تقدم خطة للسلام تقوم على الاستقرار والمصالحة، وليس فقط على تدابير مكافحة الإرهاب".

أخبار ذات صلة
عشرات القتلى والجرحى في انفجار شاحنة وسط الصومال

ورأت الكاتبة أنه "إذا أرادت الولايات المتحدة سحب قواتها من الصومال، فعليها أن تذهب إلى ما هو أبعد من الاحتواء العسكري، وأن تضع إستراتيجية صومالية تمنح الأولوية لدعم المصالحة، ومساعدة مقديشو في تثبيت مكاسبها الإقليمية، مشيرة إلى أن على واشنطن استبدال إستراتيجية "جز العشب" الصومالي، والمضي نحو دعم نمو الصومال المسالم القادر على العمل بمفرده.

سجل أمريكي متقلب

وبينت الكاتبة أن الحكومة الأمريكية كان لها "سجل متقلب" في الصومال حتى قبل ظهور حركة الشباب، فبعد الإطاحة بالرئيس محمد سياد بري، "الديكتاتور العسكري" الذي حكم الصومال لمدة عقدين من الزمن، في أوائل التسعينيات، انهارت الدولة الصومالية، مما أدى إلى انزلاق البلاد إلى حرب أهلية.

وفي العام 1993، قدمت الولايات المتحدة دعمها لجهود الأمم المتحدة لتوزيع المساعدات الإنسانية على الصوماليين، لكن المهمة انتهت بإسقاط طائرتي هليكوبتر أمريكيتين من طراز "بلاك هوك" في مقديشو، ومعارك بالأسلحة النارية أسفرت عن مقتل أكبر عدد من القوات الأمريكية منذ حرب فيتنام، إلى جانب مقتل 100 صومالي.

عناصر من حركة الشباب الصومالية
عناصر من حركة الشباب الصوماليةمتداولة

وخلال العقد التالي، استغل المتشددون الإسلاميون، وبعضهم على صلة بتنظيم القاعدة، حالة عدم الاستقرار في الصومال لبناء قوتهم، وهو ما أثار قلّق المسؤولين في إدارة بوش حينها، لكنهم واجهوا تحديات أكثر إلحاحًا في أفغانستان والعراق، وكانوا حذرين من التورط في الصومال.

ورغم ذلك بدأ ضباط وكالة الاستخبارات المركزية المتمركزون في نيروبي، في العام 2005، في دفع عشرات الآلاف من الدولارات نقدًا لأمراء الحرب الصوماليين للقبض على أعضاء تنظيم القاعدة.

نتائج عكسية

في حين رأى مسؤول في الخدمة الخارجية الأمريكية مقيم في كينيا في حينها، أن مثل تلك المكافآت لن تؤدي إلا إلى تعزيز صعود التطرف، حيثُ بين في برقية أن تلك الإستراتيجية جاءت بنتائج عكسية، مما أثار المزيد من عدم الثقة بين الصوماليين، الأمر الذي ساعد في دفعهم نحو القادة الإسلاميين.

وفي العام 2004، اعترف المجتمع الدولي بحكومة انتقالية في الصومال، وهي حكومة مدعومة بقوة من إثيوبيا، وبحلول العام 2006، سيطر اتحاد المحاكم الإسلامية، وهو تحالف من المحاكم الشرعية الإقليمية مع ميليشيات تابعة لها، على مقديشو، تاركًا للحكومة الانتقالية الفرار إلى شمال غرب الصومال.

وبعد فشل محاولات المفاوضات بين الحكومة الانتقالية واتحاد المحاكم الإسلامية، أرسلت إثيوبيا قوات للإطاحة باتحاد المحاكم الإسلامية، إذ عرض الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، الذي كان يعتمد على إثيوبيا للحصول على التوجيه في الصومال، التدريب والاستخبارات للجيش الإثيوبي ودعم غزوها بضربات جوية أمريكية، وفق تقرير الصحيفة.

وأضافت: "إلا أن تدخل إثيوبيا انتهى إلى تعزيز الجماعات الإسلامية، وفرار قيادة الجناح المدني المعتدل في اتحاد المحاكم الإسلامية من البلاد، لكن ميليشيات اتحاد المحاكم الإسلامية، مثل حركة الشباب، بقيت في الصومال، وتعهدت بالمقاومة".

أطفال صوماليون يظهرون داخل مخيم إفتن للنازحين خارج بلدة بارادير، منطقة جيدو، في ولاية جوبالاند، بالصومال
أطفال صوماليون يظهرون داخل مخيم إفتن للنازحين خارج بلدة بارادير، منطقة جيدو، في ولاية جوبالاند، بالصومالرويترز - أرشيفية

ولفتت الكاتبة إلى أنه كان بوسع بوش أن يدفع باتجاه المزيد من الحوار بدلاً من التدخل العسكري، إلا أن إدارته بقيت تركز بشكل ضيق على روابط حركة الشباب بتنظيم القاعدة، واختارت تعميق مشاركة الجيش الأمريكي في الصومال.

وفي شهر مارس/آذار من العام 2008 صنفت الحكومة الأمريكية حركة الشباب "منظمة إرهابية أجنبية"، وفرضت عقوبات على أعضائها ومن يدعمونها.

وفي ذلك العام، نفذت الولايات المتحدة غارة جوية أخرى على أحد قادة حركة الشباب، الذي كان يعتبر عضوًا في تنظيم القاعدة، وبقيت الإجابة على جدوى تلك الغارة من عدمها مجهولة كما بقي التناقض داخل إدارة الرئيس أوباما.

المحاكمات والإرهاب

وسعت إدارة الرئيس أوباما إلى تغيير سياسة الولايات المتحدة، وتعزيز الدعم العسكري لحكومة انتقالية جديدة يقودها، الآن، الزعيم السابق لاتحاد المحاكم الإسلامية، بالإضافة إلى المساعدات التنموية.

وأشارت الكاتبة أن الأمريكيين حرصوا على عدم المبالغة في هذا الالتزام، حيث بذل مسؤولو إدارة أوباما  قصارى جهدهم حتى لا يعتبروا هذا "مشروعًا لبناء الدولة"، لا سيما أنه كان على الدبلوماسيين الأمريكيين العمل عن بعد من نيروبي، حيث لم تكن هناك سفارة أمريكية في مقديشو.

ومضت الكاتبة تقول: "استمرت حرب حركة الشباب في التوسع، وفي العام 2010، نفذت أول هجوم دولي لها في أوغندا، العضو في بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، مما أسفر عن مقتل 74 شخصًا وإصابة العشرات".

أخبار ذات صلة
غارة أمريكية تقتل 13 مسلحاً من حركة الشباب في الصومال

وردًا على التهديد المتزايد الذي تشكله حركة الشباب، في العام 2011، زادت إدارة أوباما من استخدامها للغارات الجوية؛ وقامت قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي بتطهير مقديشو من المتمردين وطردتهم القوات الكينية من مدينة كيسمايو جنوب الصومال، وفي العام 2012، دفعت هذه الهزائم حركة الشباب إلى إعلان ولائها رسميًا لتنظيم القاعدة بحثًا عن الدعم والشرعية.

وشجع ذلك الموقف الولايات المتحدة لاتخاذ موقف أكثر تشددًا في الصومال، وبدأت إدارة أوباما في الانجراف نحو نهج أكثر عسكرية وبدعم من الولايات المتحدة، إذ قام مجلس الأمن بتوسيع تفويض قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي على أمل أن تساعد الجهود المركزة لبناء وحدة قوات خاصة داخل الجيش الصومالي في القتال ضد حركة الشباب، وتدريب وحدة (دناب) من قبل الجيش الأمريكي لتطهير الأراضي من المسلحين.

وخلال فترة ولاية أوباما الثانية، زادت الغارات الجوية الأمريكية في الصومال بشكل كبير، حيث ارتفعت من 14 في الولاية الأولى إلى 34 في الثانية.

قوات الأمن الصومالية تؤمّن الطريق المؤدي إلى مكان انفجار عند نقطة تفتيش بالقرب من القصر الرئاسي في مقديشو، الصومال
قوات الأمن الصومالية تؤمّن الطريق المؤدي إلى مكان انفجار عند نقطة تفتيش بالقرب من القصر الرئاسي في مقديشو، الصومالرويترز - أرشيفية

في حين قام خليفة أوباما، الرئيس السابق دونالد ترامب، بمنح الضوء الأخضر للجيش الأمريكي لضرب وملاحقة حركة الشباب في أفريقيا، حيثُ  تم تنفيذ ما يزيد على 219 غارة جوية في الصومال، بين أعوام 2017 و 2020، وهو أعلى مما تم تنفيذه خلال 16 عامًا من إدارتي الرئيسين بوش وأوباما.

وعلى الرغم من أن تلك العمليات وجهت ضربة للحركة، إلا أن المتمردين تعلّموا كيفية التكيف ونفذوا عشرات الهجمات، حيث قصفوا أكبر مطار عسكري في الصومال، والذي كان يأوي قوات أمريكية العام 2019، وشنوا هجومًا مميتًا على القوات الأمريكية والكينية بكينيا، في شهر كانون الثاني/يناير 2020.

وبفضل عمل مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية، الذين خدم العديد منهم في نيروبي، تم إحراز بعض التقدم على الجبهة الدبلوماسية، إذ أنشأت الولايات المتحدة بعثة دبلوماسية دائمة في مقديشو، ووضعت، في العام 2019، خريطة طريق لتخفيف ديون الصومال، التي كانت مدانة بأكثر من 5 مليارات دولار عالميًا ومليار دولار للولايات المتحدة، وأرسلت إلى مقديشو مليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية، إلا أن تلك الإجراءات لم تساعد الحكومة الصومالية على إحراز تقدم كبير في مجال الأمن أو بناء الدولة.

تركة سياسية ثقيلة

ونوهت الكاتبة إلى أنه إدارة الرئيس "بايدن ورثت تاريخًا مؤسفًا من الانقلابات في السياسة الأمريكية والاعتماد المفرط على مكافحة الإرهاب عندما يتعلق الأمر بالصومال".

وأوضحت أنه "في وقت مبكر من رئاسة بايدن أشرف مجلس الأمن القومي التابع له، على مراجعة ما يجب فعله بشأن عبور القوات الأمريكية داخل وخارج البلاد، حيث عُرض على بايدن 3 خيارات، هي: الحفاظ على الوضع الراهن في الصومال، أو إعادة القوات إلى الصومال على أساس مستمر، أو الانسحاب بالكامل".

أخبار ذات صلة
من هو القيادي لدى داعش بلال السوداني الذي اغتالته أمريكا في الصومال؟

وحرصًا على سلامة القوات الأمريكية لم يتم الذهاب إلى الخيار الأول، لكن قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" الجنرال ستيفن تاونسند أيَّد الخيار الثاني المتمثل في تعزيز الوجود العسكري الأمريكي وهو ما تم بالفعل، إلا أن الكاتبة بيَّنت أنه كان لدى بايدن خيارات أفضل بكثير من "النهج الضيق الذي اختاره".

وفي أواخر صيف العام 2023، استأنفت الحكومة الصومالية هجومها للاستيلاء على المزيد من الأراضي، بدعم من الضربات الجوية الأمريكية، التي من الممكن تؤدي إلى إخراج حركة الشباب من المزيد من الجيوب في الصومال، ولكن إذا لم تتمكن الحكومة من تعزيز هذه المكاسب، فإن حركة الشباب ستعود، خاصة أنها في الأسابيع الأخيرة، استعادت الحركة السيطرة على العديد من البلدات التي فقدتها خلال العام الماضي.

هل خسرت أمريكا الحرب؟

واعتبر مقال الكاتبة أنه يجب على واشنطن أن تتبنى إستراتيجية تتجاوز الاحتواء، إذ يجب على الحكومة الأمريكية أن تعطي أولوية أعلى لدعم جهود الحكومة الصومالية لتحقيق الاستقرار، وينبغي على المسؤولين الأمريكيين أن يؤكدوا لنظرائهم الصوماليين أن تحقيق الاستقرار لا يقل أهمية عن محاربة حركة الشباب.

كما يجب على الولايات المتحدة العمل مع شركاء التنمية مثل الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية المحلية، من أجل التركيز على توفير الغذاء والماء، والتوسع في المشاريع سريعة الأثر التي تلبي احتياجات المجتمعات المحلية، ويتعين على الولايات المتحدة أيضًا أن تتأكد هذه المرة من أن التمويل المخصص لتحقيق الاستقرار لا يخلق فرصًا إضافية للكسب غير المشروع.

أخبار ذات صلة
"نيويورك تايمز": أمريكا تسحب قواتها من الصومال في "توقيت سيئ"

ويلعب الكونغرس الأمريكي دورًا رئيسًا من خلال تخصيص المزيد من الأموال لجهود تحقيق الاستقرار في الصومال، لكن الانقسام الشديد في الكونغرس يحول دون  تمرير أي تشريع على الإطلاق، أو زيادات في التمويل للصومال في المستقبل المنظور.

وشددت الكاتبة على ضرورة أن يوافق الكونغرس كحد أدنى على ضمان الإشراف الكافي على سياسة الولايات المتحدة تجاه الصومال، وقد يشمل ذلك مطالبة وزارة الخارجية بتقديم تقرير سنوي عن التقدم المحرز في المبادرات الأمريكية في البلاد، وعن التقدم الذي أحرزه الصومال نحو جعل حكومته أكثر شفافية ومساءلة من الناحية المالية.

وبحسب الكاتبة، فإنه أيضًا "يجب على الولايات المتحدة أن تدعم المصالحة داخل المجتمع الصومالي، فالانقسامات العميقة، وانعدام الثقة بين المسؤولين في مقديشو والزعماء الإقليميين، وكذلك بين العشائر والعشائر الفرعية، تهدد بتفتيت البلاد".

وأشارت إلى أن المهمة الأكثر صعوبة بالنسبة لواشنطن ستكون بالاعتراف بحقيقة أنه سيتعين على مقديشو، في نهاية المطاف، التفاوض مع حركة الشباب لإنهاء الحرب، وأنه إذا لم ترفع واشنطن تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية، الذي طبقته على حركة الشباب في العام 2008، فيجب عليها على الأقل تقديم ضمانات بعدم محاكمة الأفراد الذين يعملون في مفاوضات السلام مع حركة الشباب.

المصدر: مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com