الحكومات الأوروبية أمام امتحان العدالة الاجتماعية

الحكومات الأوروبية أمام امتحان العدالة الاجتماعية

لا ينصت الأوروبيون كثيرًا إلى تبريرات حكوماتهم بأن ما يجري من أزمات وتضخم ومشاكل اقتصادية تفوق قدراتها الاحتوائية وإمكانياتها لتفادي ضربات أزمة الطاقة القاصمة.

ويطالب الشعب الأوروبي ورأس حربته من الأحزاب اليسارية، دائما، بحلول بديلة، ويضعون الحكومات الأوروبية في طرف معادلة "كل ما يجري هو نتيجة خياراتكم، وبالتالي خيارات الدول الخاطئة هي نتيجة ما وصل إليه الشعب".

ووفقا لهذه المنهجية، يزداد الغضب والاحتقان لدى أبناء "القارة العجوز"، ويتفجر بين الحين والآخر على هيئة مظاهرة في برلين، ووقفة احتجاجية في مدريد، وإضراب في باريس.

أما الشعارات فتنوعت بين شجب ارتفاع الأسعار، واستنكار التضخم، والتنديد بالجشع، لكن المسألة الأبرز هي المطالبة بالعدالة الاجتماعية.

أين شعارات العدالة؟

شعر الأوروبيون أن سنوات التغنّي بعدالة السوق الأوروبية تعرّت أمام أول امتحان، وصمامات أمان الاقتصاد الأوروبي، التي تتجلى بأنظمة البطالة وتكافؤ الفرص، لم تنجع في الأيام العجاف بضبط السوق واستقرار الأمان المالي.

وشهدت العديد من المدن الأوروبية مظاهرات احتجاجية للمطالبة بالعدالة الاجتماعية في توزيع المخصصات الحكومية، ومكافحة الشركات ورؤوس الأموال التي تستغل أزمة الطاقة وترفع أسعارها دون وجه حق.

ففي ألمانيا، خرجت مظاهرات بدعوة من تحالف يساري يضم نقابات عمالية وجماعات بيئية ومنظمات اجتماعية تحت شعار "خريف التضامن: تحقيق الأمن الاجتماعي – تسريع تحول الطاقة".

وطالب المتظاهرون بتفعيل نظام المساعدات كي ينتقي بعناية الشرائح ذات الدخل المنخفض من سكان البلاد، وناشد المتظاهرون بأهمية توزيع العبء بشكل عادل عن طريق زيادة الضرائب على الأغنياء، وزيادة دعم أسعار الطاقة للفقراء.

بلادي تفتقر للتضامن

وقال بانير كوتشيس (37 عاما)، وهو ألماني مقيم في فرانكفورت، لـ"إرم نيوز": "خرجنا في مظاهرات رفضًا لسياسات حكومية مالية وضريبية واجتماعية، وللقول بصوت عال إن التغلب على الأزمات المتزامنة لا يكون إلا بالتضامن، وللأسف الحكومة تفتقر إلى هذا التضامن".

وأضاف كوتشيس، الذي يعمل موظفا في مصرف Commerzbank AG الألماني: "يجب تحسين حزمة الإغاثة التي أقرتها الحكومة، ويجب أن توجه بشكل مختلف نحو أولئك الذين يحتاجون إليها ويعتمدون عليها بالفعل".

ودعت المظاهرات التي شارك فيها كوتشيس، بحسب شهادته، إلى التخلص من الأرباح الزائدة، وفرض ضرائب على الثروات الكبيرة، وإلغاء فرملة الديون.

وختم كوتشيس حديثه: "هناك تطرف في رفع الأسعار، ويجب على الحكومة التنظيم والتدخل بصورة أكبر، وإلا ستخرج الأمور عن السيطرة، وتستغل عدة أطراف ما يحصل لصالحها".

 بانير كوتشيس
بانير كوتشيسمواطن ألماني مقيم في فرانكفورت

الوقود يهدد صغار الشركات

وأظهر مسح بياني أجراه الاتحاد الألماني للجمعيات المعنية بالشركات الصغيرة والمتوسطة أن أكثر من 26% من الشركات تتوقع انخفاضا بالمبيعات في الأشهر المقبلة، بعدما كانت نسبتها 16% في مسح مماثل أجري قبل نحو ثلاثة أشهر.

فيما كشفت تقارير صحفية أوروبية أن الشركات الصغيرة والمتوسطة مهددة بتوقف الإنتاج بسبب عدم حصولها على عقود توريد للطاقة في العام المقبل.

وفي بريطانيا، يواصل التضخم الحاد ارتفاعه ليتجاوز 10%، ويدفع نصف الشعب البريطاني لأن يفوت بعض الوجبات اليومية، بحسب ما أظهره استطلاع للرأي أجراه معهد "ويتش".

وحذرت الجمعية البريطانية لحماية المستهلك من أن ملايين العائلات البريطانية ستكون في حالة فقر على صعيد الطاقة، بعد تقليص مدة تحديد السقف لفواتير الطاقة، حيث أصبح 6 أشهر بدلا من عامين، الأمر الذي لاقى موجة معارضة على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الشريحة التي ستتأثر بهذا القرار.

أما الجنيه الإسترليني، والذي حقق قفزة صغيرة بعد قرار استقالة رئيسة الحكومة، عاد للهبوط أمام الدولار بنسبة 0.21%، كما انخفض سعر العملة الأوروبية الموحدة بنسبة 0.15%.

الشارع الباريسي يواصل الغليان

وفي فرنسا، تتواصل الاحتجاجات المنددة بالوضع المعيشي المتردي الذي عصف بالبلاد، وسجلت آخر المظاهرات في باريس مطالبات بضرورة إخراج فرنسا من حلف شمال الأطلسي ومن الاتحاد الأوروبي، ووقف مد كييف بالسلاح، وفتح الآفاق الدبلوماسية لحل الأزمة.

أما أبرز الأسباب التي دفعت الفرنسيين للخروج، فهي التضخم الذي يؤثر على القوة الشرائية، والتشديد في صرف إعانات البطالة، والفساد الحاصل في مسألة المعاشات التقاعدية.

وقال فرانس هنري (51 عاما)، وهو فرنسي من أصول جزائرية: "كل ما قامت به الحكومة من خطوات لمعالجة الأزمة وتقليل آثارها غير كاف، ومنذ أكثر من ثلاثة أسابيع، أصابت العديد من الإضرابات البلاد بالشلل".

وأضاف هنري، الذي يعمل في مطعم للوجبات السريعة: "كل زيادات الرواتب التي حصلت العام الماضي لم تتجاوز الـ 3.1٪.. وبالمقابل أقل سلعة غذائية ارتفعت بنسبة 6%، وهذا غير عادل".

وختم هنري حديثه: "في أغسطس دعا ماكرون (الرئيس الفرنسي إيمانويل) الناس إلى تحمل المصاعب الاقتصادية كإظهار للتضامن مع أوكرانيا، ونحن قبلنا أن نسدد ثمن حريتنا وقيمنا، لكن الثمن كان باهظا على البعض دون البعض الآخر، وهذا أمر مروع".

وتوقع مكتب OFCE الفرنسي انخفاضًا في القوة الشرائية لكل وحدة استهلاك بنسبة 1.4٪ خلال عامي 2022 و2023 في فرنسا، وهذا هو أقوى انخفاض منذ 40 عاما.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com