الرئيس الأمريكي خلال لقاء سابق مع رئيس جنوب أفريقيا
الرئيس الأمريكي خلال لقاء سابق مع رئيس جنوب أفريقياأسوشييتد برس

"فورين أفيرز": الدول الغنية خذلت "الجنوب العالمي" بعد أزمة الوباء

نشرت مجلة "فورين أفيرز" تقريرًا حول تزايد الصدع بين الدول الغنية ودول الجنوب العالمي، قالت فيه إن عدم الوفاء بالتزامات هذه الدول تجاه الدول منخفضة الدخل هو من بين أسباب انعدام الثقة بين الشمال والجنوب العالمي.

وقالت المجلة إن رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، وخلال مشاركته في القمة الدولية لميثاق التمويل العالمى الجديد، التي عقدت في العاصمة الفرنسية باريس، في يونيو/حزيران الماضي، أثار مسألة لقاحات كوفيد-19 معتبرًا أن سكان جنوب أفريقيا شعروا وكأنهم "متسولون عندما يتعلق الأمر بتوافر اللقاح".

وخلال القمة قال رامافوزا إن بلدان نصف الكرة الشمالي كانت تستغلهم، ولم ترغب هذه الدول في طرح اللقاحات في الوقت المناسب الذي كانت دول الجنوب في أمس الحاجة إليها، ما أدى إلى تعميق خيبة الأمل والاستياء من جانب أفريقيا "لأننا شعرنا أن الحياة في نصف الكرة الشمالي أهم بكثير من الحياة في الجنوب العالمي".

وأشار تقرير المجلة إلى أن رامافوزا ليس وحده الذي يرى الأمور بهذه الطريقة، ففي العام 2021 قال الملياردير سترايف ماسييوا، رجل الأعمال من زيمبابوي ــ وهو الآن أحد أمناء مؤسسة بيل وميليندا غيتس ــ إن "سلوك الدول الغنية خلال الوباء أدى إلى إنشاء "بناء عالمي من عدم العدالة".

وقالت "فورين أفيرز" إن هذا "الشعور العميق بالخيانة أدى إلى تآكل الثقة بين البلدان، وكانت العواقب الجيوسياسية له كبيرة".

واعتبرت الصحيفة أن الشمال العالمي الذي يضم الدول الأكثر ثراءً يكافح لفهم "الجنوب العالمي"، خاصة رد الفعل المتناقض من جانب الدول الأفريقية على حرب روسيا على أوكرانيا، لكنها أشارت إلى أن "تأثير تخلي العالم عن هذه الدول أثناء الوباء لا يحظى بالتقدير الكافي".

وأشار التقرير إلى أن هناك نوعان من الإخفاقات التي حددت عصر كوفيد-19 بالنسبة للبلدان المنخفضة الدخل، تتمثل في تردد الشمال العالمي في تقاسم الموارد بشكل عادل، وعدم رغبته في التعامل مع بلدان الجنوب العالمي كشركاء متساوين في معالجة أزمة مشتركة، مؤكدًا أنه إلى أن تتخذ الدول الغنية خطوات ملموسة نحو الإصلاح، فإن الصدع سوف يزداد عمقًا.

واحدة لك و19 لي

وقال تقرير "فورين أفيرز" إنه وخلال جائحة فيروس كورونا، تركت أغنى دول العالم الدول الفقيرة إلى حد كبير لتتدبر أمرها بنفسها.

لكن هذا الأمر لم يسر على هذا النحو دائمًا، ففي أبريل العام 2020، أطلق تحالف من حكومات مجموعة العشرين والمجموعات الخيرية والمنظمات المتعددة الأطراف مبادرة الوصول العالمي للقاحات كوفيد-19، أو ما يعرف بـ"كوفاكس".

وكان الهدف منها تمكين جميع البلدان من تطعيم 10% من سكانها الذين يواجهون أعلى المخاطر من فيروس كورونا الجديد، قبل أن تقوم أي دولة أخرى بتطعيم الأفراد الأقل عرضة للخطر.

وكان هدف "كوفاكس" تسليم ملياري جرعة من لقاحات كوفيد-19 على مستوى العالم بحلول نهاية العام 2021 والتي تشمل 1.3 مليار جرعة منها إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

وأشار التقرير إلى أن التأخير في تسليم اللقاحات أعطى مزيدًا من الوقت لتداول المعلومات الخاطئة وترسيخ نظريات المؤامرة.

وأشار إلى أن الدول الغنية فشلت في التعاون حيال ذلك، حيث كان ينبغي على الدول الغنية أن تشتري على الأقل بعض إمداداتها من لقاح كوفيد-19 من برنامج "كوفاكس"، مما يوفر للبرنامج الإيرادات للتوسط في صفقات أكثر بأسعار معقولة للدول منخفضة الدخل.

ولكن بعد أن بدأت الهيئات التنظيمية في الموافقة على هذه اللقاحات في نهاية العام 2020، أخرت الدول الغنية المساهمات المالية الموعودة وقطعت الصفقات الجانبية مع الشركات المصنعة، واشترت معظم إمدادات اللقاح قبل أن يحصل أي شخص في العالم على جرعات اللقاح.

لقاحات كورونا في دول الجنوب
لقاحات كورونا في دول الجنوب متداولة

وبين التقرير أن العواقب السلبية المترتبة على هذه التصرفات كانت واضحة بشكل خاص في إفريقيا، ففي فبراير/شباط العام 2021، وصلت جرعات لقاح "كوفاكس" الأولى إلى غانا وكوت ديفوار، بعد 3 أشهر من بدء دول مثل المملكة المتحدة تطعيم مواطنيها.

لكن هذه الجرعات لم تكن سوى جزء صغير مما تحتاجه البلاد، وبحلول شهر مايو/أيار كان 35% من سكان الولايات المتحدة قد حصلوا على التحصين الكامل، مقارنة بـ 0.3% من سكان إفريقيا.

وأشارت "فورين أفيرز" إلى أن الحكومات الإفريقية لم تكن تجلس وتنتظر المساعدة، ففي نوفمبر العام 2021، نبه علماء جنوب أفريقيا العالم إلى متغير أوميكرون مما حدى الدول الغنية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بحظر الرحلات الجوية من جنوب أفريقيا، لكن حتى عندما قاد الأفارقة العالم في مجال الاستعداد لمواجهة الأوبئة، إلا أنهم عوملوا بازدراء.

وقالت إنه كان بالإمكان تجنب قدر كبير من انعدام الثقة مع الشمال العالمي لو وفت الدول الغنية بوعودها لأفريقيا.

الاقتراض للبقاء على قيد الحياة

ورغم أن المرحلة الأكثر فتكًا لكوفيد-19 قد انتهت، إلا أن البلدان ذات الدخل المنخفض لا تزال تعاني من الهزات الارتدادية للوباء، وبينما خصصت البلدان ذات الدخل المرتفع تمويلًا تحفيزيًا لدعم اقتصاداتها وتوفير الخدمات الاجتماعية، إلا أن البلدان المنخفضة الدخل لم تتمكن من الالتزام إلا بنسبة 3%، وفي العام 2020 اقترضت البلدان المنخفضة الدخل مليارات الدولارات للإبقاء على الأضواء مضاءة بينما تتزايد احتياجاتها الملحة.

وحتى مع انحسار أسوأ تهديدات الجائحة، لا يزال يتعين على البلدان المنخفضة الدخل إنفاق مبالغ كبيرة لسداد الديون بدلًا من الاستثمار في الصحة والتنمية والتعليم والقدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ.

دول الجنوب تتأثر بالتغير المناخي
دول الجنوب تتأثر بالتغير المناخيمتداولة

عجز الثقة

وتابع التقرير بالقول إن عدم رغبة الشمال العالمي في الوفاء بوعوده خلال جائحة كوفيد-19 هو أحد العوامل التي تسببت بحدوث الصدع المتزايد بين الشمال والجنوب، لكنه ليس الوحيد، فقد أدت أيضًا استجابة العالم لأزمة المناخ بخرق الثقة بين الشمال والجنوب.

ففي قمة المناخ التي انعقدت العام 2015 في باريس، تعهدت الدول المتقدمة بإنفاق 100 مليار دولار سنويًا لدعم جهود التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها في البلدان النامية، لكن هذه الدول المانحة فشلت في تحقيق هذا الهدف بعشرات المليارات من الدولارات كل عام منذ ذلك الحين.

والأسوأ من ذلك أن القروض شكلت 70% من التمويل الذي وعدت به الدول الغنية في باريس، فالبلدان المنخفضة الدخل تقترض الأموال فعليًا -مع الفوائد- لدفع ثمن الأضرار التي تسببها البلدان الغنية.

وخلص تقرير "فورين أفيرز" إلى أن العديد من البلدان المنخفضة الدخل تجد نفسها الآن تبحث عن شركاء جدد أو تطرح تساؤلًا عما إذا كان مسار العمل الوحيد القابل للتطبيق الآن هو محاولة حل مشاكلها بمفردها، لكن مصير الشمال العالمي والجنوب العالمي يظلان مرتبطان.

وأشار التقرير إلى أن التقدم الذي تحقق على مدى عقود من الزمن في مكافحة الفقر المدقع والوفيات بين الأطفال في مختلف أنحاء أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية معرض للخطر الآن، ويتعين على جميع الدول العمل معًا لمواجهة هذه التحديات وإصلاح الصدع بين الشمال العالمي والجنوب العالمي، لافتًا إلى أن عدم المساواة في أي مكان في العالم يؤدي إلى تقويض الأمن والرخاء في عالم تحكمه العولمة.

وختمت المجلة بالقول إن الاعتراف بانتهاكات الثقة التي حدثت في عصر الوباء هو خطوة أولى جيدة، لكن إصلاح آثارها سيتطلب أكثر من مجرد الاعتذار أو الوعود بأداء أفضل في المرات القادمة، إذ يتعين على القادة في الشمال العالمي أن يضمنوا وصول المساعدات التي تعهدوا بها علنًا إلى المستفيدين منها في الوقت المناسب، وأن يوسعوا القدرة الإقراضية لبنوك التنمية المتعددة الأطراف، وإعطاء الأولوية لتقديم المنح والتمويل الميسر للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، والأهم من ذلك فإنه يتعين على الدول الغنية أن تتعلم كيف تتعامل مع زعماء البلدان ذات الدخل المنخفض باعتبارهم شركاء حقيقيين.

المصدر: مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com