قوات تشادية
قوات تشاديةأ ف ب

وسط صراع روسي غربي في أفريقيا.. تشاد تستعد لطرد القوات الأمريكية

تستعد تشاد، الدولة التي تتوسط القارة الأفريقية، لطرد القوات الأمريكية من البلاد في أقرب وقت ممكن، على خطى جارتها النيجر.

يأتي ذلك في إطار تحول أفريقي عن الواقع الذي استمر لعقود، بالارتباط الوجودي مع الغرب ككل.

ونشأ هذا التحول، برأي خبراء ومراقبين تحدثوا لـ"إرم نيوز"، من عدة أسباب، أبرزها رغبة الدول الأفريقية بالخروج عن الخط الغربي، الذي يرون أنه بات "كهلا" غير قادر على لجم "الرغبة بالتغيير".

والسبب الآخر هو رغبة روسيا بتوسيع الكتلة المناهضة للغرب بضم أفريقيا.

وبحسب الخبراء، فقد تلاقت الرغبات بين روسيا من جهة، وأفريقيا من جهة أخرى، لتبدأ عملية تحول القارة بعيدا عن الغرب، واقترابا إلى الشرق.

ضعف ملموس في السياسة الخارجية للغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة
مكسيم كوزين، باحث في الشؤون الدولية

قابلية ذاتية

يرى الباحث في الشؤون الدولية، الأستاذ في تاريخ القارة الأفريقية مكسيم كوزين، أن "التحوّل الأفريقي لم يظهر لوجود رغبة روسية فقط، وإن كان عمر هذه الرغبة يمتد لعقود".

وأوضح كوزين، في حديثه لـ"إرم نيوز": "ظهر ضعف ملموس في السياسة الخارجية للغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وفرنسا في المقام الثاني".

وتابع أن "الانقلابات التي جرت في أفريقيا ليست بسبب عامل خارجي أو جهة دفعت لحدوث ذلك، بل إن هذه الدول كانت لديها القابلية لمفهوم الانقلاب العسكري نتيجة ضعف بنيتها المؤسساتية كدولة، لكن ما كان يمنع حدوث ذلك هو الخوف من الغرب ومن واشنطن من لجم الانقلابيين، بل واستخدام القوى العسكرية لتصفيتهم".

وأشار إلى أن "هذا التخوف كان يسيطر على كل القوى في أفريقيا، خاصة العسكرية منها؛ لأنها الوحيدة القادرة على تغيير السلطة".

وذكر كوزين أن الفكرة بالتحول بدأت "حين أعلنت أمريكا للمرة الأولى رغبتها أو تفكيرها بالانسحاب من أفغانستان تحديدا، مع إدراك الجميع بأن طالبان ستعود للسلطة".

وأكد أن "هذا فشل رسم لدى القادة العسكريين الأفارقة صورة توضح أن أمريكا ليست ماردا، ويمكن أن تفشل بالوقوف أمام قوة لا تسير على هواها وتريد السيطرة على السلطة بقوة السلاح".

وأضاف: "حينها بالضبط بدأت الرغبة الأفريقية بالظهور، ولم تحتج لسنوات حتى يبدأ التطبيق، بل إن أشهرًا كانت كافية لبدء سلسلة الانقلابات".

وخلص الباحث الروسي إلى القول إن "الدول الأوروبية وأمريكا من منظور الدول الأفريقية هي قوة واحدة تساند بعضها البعض، وإن أي فشل أمريكي يحسب فشلا أوروبيا".

وبيّن أنه لذلك "كان التمرد على فرنسا واضحا، ومن بعدها الولايات المتحدة، التي تدرك أنها باتت عاجزة عن أي تدخل عسكري يواجه فيروس الانقلابات المنتشر في القارة، لذلك أخذت المواقف نبرة مختلفة تدل على عجز واضح لدى الكتلة الغربية".

رفع العلم الروسي خلال المطالبات برحيل القوات الفرنسية من النيجر
رفع العلم الروسي خلال المطالبات برحيل القوات الفرنسية من النيجرأ ف ب

طموح روسي

وعن دور موسكو، قال الخبير في الشأن السياسي الروسي، سيرغي كوتشيتكوف، إن "نظرة روسيا لأفريقيا لم تتغير منذ زمن السوفييت، إذ كانت تطمح دائما لإيجاد موطئ قدم في القارة السمراء".

وأوضح أن "التحكم الغربي وعدم قدرة روسيا على التأقلم مع الواقع الأفريقي الجديد آنذاك، خاصة بعد استقلال هذه الدول مع بقاء الأساس الغربي في تشكيل الدولة، كانا حاجزا أمام السوفييت وبعدهم الروس".

واستدرك بالقول إن "روسيا استغلت أو عملت على نقطة ربما حصدت ثمارها الآن، وهي فتح أبواب الجامعات الروسية لطلبة العلم الأفارقة، وتأكيدا على ذلك، فإن أغلب المسؤولين الذين يأتون من مالي أو من النيجر وتشاد، والذين يشكلون المفاصل الأساسية للدولة اليوم، يتحدثون الروسية وتلقوا تعليمهم في الجامعات السوفيتية، سواء بالعلوم العادية أو العسكرية".

وأشار كوتشيتكوف، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى أن "روسيا أوصلت فكرتها لبعض الدول الأفريقية أنها حاضرة للمساعدة في حال قررت الانفضاض عن الغرب"، مع توفير ما يحتاجه الانقلابيون من القوة العسكرية، ومد السوق بالأغذية.

وقال: "فعليا تملك روسيا مرونة في سوق سلاحها على عكس الغرب، لذلك وجد الأفارقة ضالتهم في هذه السوق، وتم توقيع العديد من الاتفاقيات المشتركة لتطوير الجيوش الأفريقية، أما على صعيد الغذاء، فقد فتحت روسيا مخازن غلالها من القمح والحبوب للدول الأفريقية المحتاجة وبالمجان".

تملك روسيا مرونة في سوق سلاحها على عكس الغرب
سيرغي كوتشيتكوف، خبير في الشأن السياسي الروسي

وتابع القول إن "نجاح مالي بفرض واقع جديد، والعلاقات الطيبة بل الممتازة التي نسجتها مع روسيا من خلال المساعدات المتنوعة، ووجود قوات روسية رسمية أو غير رسمية تساند الدولة المالية في بسط سيادتها، دفعت دولا كثيرة منها النيجر وتشاد للحذو حذوها".

وشدد على أن "هذا فعليا يريح موسكو ويدفعها أكثر لفتح أيديها أمام القادمين من أفريقيا الرافضين لاستمرار تواجد الغرب في دولهم".

وعن الفوائد التي جنتها وستجنيها روسيا من خلال الواقع الجديد في أفريقيا، يرى الخبير في الشأن السياسي الروسي أن الفائدة الأساسية هي "توسيع دائرة الدول الداعمة لروسيا والمناهضة للغرب".

وأوضح أن "هذا تحول كبير، فأغلب الدول الأفريقية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية انضمت لمعسكر عدم الانحياز، أما الآن، بشكل أو بآخر، استطاعت موسكو بقوتها الناعمة قلب الموازين هناك".

وأضاف في هذا السياق أن "أفريقيا كانت مصدرا للطاقة بالنسبة للغرب، وسوقا رخيص الثمن لكل ما تحتاجه الدول الأوروبية وأمريكا بصناعاتها التكنولوجية أو العسكرية، أو حتى الطاقة البديلة والطاقة القادمة من المفاعلات النووية".

وبيّن أن "هذه المعادن والمواد كانت متوفرة في أفريقيا، وكانت أيادي الغرب تغرف منها كما تشاء، لذلك فإن روسيا بقلبها الموازين وبمساعدة أفريقيا على رفع شعار قطع اليد الغربية، باتت تملك جبهتي ضغط ضد الغرب: الغاز الروسي، والمعادن الأفريقية".

وأكد أن "هذا كله يصب في مصلحة الكتلة العالمية التي تحاول روسيا تشكيلها ضد الغرب، وهي تكبر يوما بعد يوم".

صراع عالمي

وحول المأزق الغربي في القارة الأفريقية وانحسار النفوذ هناك، يرى الخبير في الشؤون السياسية الدولية إيفان أوسكوف أن "الأمر عبارة عن معادلة معقدة نوعا ما".

وقال: "لا نستطيع أن ننظر إلى الوضع الغربي في القارة الأفريقية من دون العودة إلى الوضع العالمي، فالعالم يعيش في مخاض، وهذه مفرزاته الواضحة".

اقتنعت الولايات المتحدة وخلفها أوروبا أن أساليب الضغط على الدول الأفريقية لم تعد تنفع
إيفان أوسكوف، خبير في السياسة الدولية

واستدرك أوسكوف بالقول إنه "إذا أردنا الخوض في غمار الوضع الأفريقي فإننا نشهد محاولات غربية لإعادة ضبط الإيقاع، منها التلويح باستخدام القوة العسكرية عبر ايكواس، لكن المحاولة فشلت فلم يرتدع المنقلبون، ولجأت الولايات المتحدة إلى النزول عند مخاطبة السلطات الجديدة وأعطت تنبيهات وتعليمات، لكن لم يصغ أحد".

وتابع: "في هذه الحالة أدرك الغرب أن السياسات المعتادة لم تعد تجدي، ولم يتبقَ له إلا محور واحد وهو الضغط على روسيا".

وبشأن هذا التوجه، قال: "اقتنعت الولايات المتحدة وخلفها أوروبا أن أساليب الضغط على الدول الأفريقية لم تعد تنفع، حتى وسائل الضغط انحسرت هي الأخرى، فالغريم هنا روسيا، فقالوا هيا بنا نضرب روسيا".

وأضاف: "فعليا بات المشهد العالمي كبازار مناقصات، تخرجني من منطقة فأقوم بإخراجك من أخرى".

وللتدليل على ذلك، تساءل الخبير: "ما الذي يجري في أرمينيا؟ والانقلاب على روسيا، ألا يشبه ما يجري في النيجر مثلا؟".

وأوضح: "أرمينيا طالبت روسيا علانية بضرورة خروج قوات حفظ السلام الروسية من البلاد، والقاعدة الروسية هناك ربما ستقوم موسكو بتسليمها قريبا. وهذا تغيّر كبير".

ولخص أوسكوف المشهد بالقول: "أنت تعبث بحلفائي التاريخيين، وأنا أعبث بالمقابل بحلفائك التاريخيين، وإذا طرحنا سؤالا حول من بدأ ذلك، فإن الجواب هو: الطرفان".

وبيّن: "إننا نخوض مرحلة التطور العالمي، لذلك فالمشهد الأفريقي لا يختلف عن المشهد في الشرق الأوروبي، وكذلك ما جرى في أوكرانيا وانقلاب 2014 وقدوم قوة موالية للغرب، وهو السيناريو نفسه الذي جرى في مالي والنيجر ودول أخرى، وهذه هي المعادلة القائمة اليوم".

أخبار ذات صلة
تقرير: روسيا تعلمت الدرس من الخيبات الفرنسية في أفريقيا

وتوقع الخبير في الشؤون السياسية الدولية أن تتطور الأوضاع أكثر من ذلك في الصراع العالمي على النفوذ.

وقال: "نحن حتى الآن لم ننتهِ من فترة الانقلابات والتحولات في أفريقيا، ليليها بالضرورة بعد مدة الشرق الأوسط الملتهب أساسا، الذي لطالما كان مركزا للصراعات العالمية منذ عقود، أو إذا صح التعبير منذ قرون".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com