الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرونأ ف ب

لماذا يغرد ماكرون "خارج السرب" في الملف الأوكراني؟

تتخذ فرنسا خطا شديد الانحياز لأوكرانيا في حربها مع روسيا، حيث أحدث رئيسها إيمانويل ماكرون صدمة في أوروبا بحديثه قبل أيام عن إرسال قوات فرنسية إلى خطوط التماس مع روسيا، في الوقت الذي تحرص فيه دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) على "حفظ خط الرجعة" مع موسكو.

اندفاع ماكرون نحو كييف وشنّ العداء مع غريمتها موسكو وخروجه عن الخط الذي رسمته أوروبا وأمريكا لنفسها في الملف، أثار تكهنات بوجود دوافع أخرى تحرّكه غير تلك المعلنة.

وكان ماكرون ذهب، الثلاثاء الماضي، إلى دعوة حلفاء أوكرانيا إلى "ألا يكونوا جبناء" في دعم كييف لـ"محاربة روسيا".

وأكد أنه "يؤيد تمامًا" التصريحات التي سبق أن أدلى بها عن إرسال قوات إلى أوكرانيا وأثارت الكثير من الجدل.

أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور رعد العزاوي، رأى أن الموقف الفرنسي من الحرب الروسية- الأوكرانية "منحاز"، وتعبّر عنه إدارة ماكرون مقارنة مع مواقف الدول الأوروبية الأخرى.

ومضى العزاوي في تصريحه لـ"إرم نيوز" بالقول إن الموقف الفرنسي يجب أن يؤخذ بعدسات جيوستراتيجية، إذ "يرتبط بطبيعة التراجع الكبير لمكانة فرنسا في تفاعلات السياسة الدولية".

موقف ماكرون يرتبط بالتراجع الكبير لمكانة فرنسا في السياسة الدولية.
رعد العزاوي، أستاذ علاقات دولية

وأشار إلى أن فرنسا خسرت فاعلية التأثير في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا في لبنان، لصالح فاعلية دور الولايات المتحدة ودور روسيا في المنطقة وحلفائهما الإقليميين.

ونظمت فرنسا في الـ7 من مارس/آذار الحالي "مؤتمر دعم أوكرانيا"، وتعهدت بمساعدة أوكرانيا في "الدفاع السيبراني وإزالة الألغام وصيانة الأسلحة وإنتاجها المشترك ودعم الشركاء في الجوار وتأمين الحدود".

وكان من المقرر أن يسافر ماكرون إلى كييف في الشهر الماضي لتوقيع اتفاق أمني ثنائي مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي، لكن الأخير سافر إلى باريس لإبرام الاتفاق، فيما قال الإليزيه إن الزيارة مؤجلة فقط.

ماكرون مع الرئيس الأوكراني
ماكرون مع الرئيس الأوكرانيرويترز

وقال العزاوي إن "تراجع فرنسا تزامن مع ظهور التحولات الكبرى في النظام الدولي، التي رتبت تقدم الدور الروسي والصيني".

وأضاف أن تراجع الدور الفرنسي العالمي جاء أيضًا من خلال انسحابها من الدول الأفريقية التي كانت خاضعة لإستراتيجية "أفريقيا الفرنسية".

ومع توالي انسحابات قواتها العسكرية من تشاد والسنغال والغابون ثم النيجر ومالي وبوركينا فاسو وموريتانيا، يقول العزاوي إنه "لم يبق لفرنسا فضاء يمكن أن تؤثر من خلاله في تفاعلات السياسة الدولية، وتجعله منطلقًا لإعادة بناء مكانتها الدولية غير الفضاء الأوروبي".

واستطرد بالقول إن فرنسا "إن خسرت حضورها المؤثر في هذا الفضاء فتكون خسرت فرص إحياء أي دور مؤثر لها في مناطق أخرى أكثر أهمية جيوستراتيجيًّا في العالم".

وخلقت تصريحات ماكرون عن إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا أزمة داخلية أيضًا، إذ اعتبرها زعماء أحزاب اليمين واليمين المتطرف واليسار "غير مسؤولة".

ويناقش مجلس النواب الفرنسي، اليوم الاثنين، إستراتيجية باريس لدعم أوكرانيا في جلسة يُنتظر أن تشهد مواجهة بين معسكر الرئيس ماكرون والمعارضة من أقصى اليمين واليسار.

ويفسر المحلل السياسي إدريس عيساوي تعاطي فرنسا مع الأزمة الروسية الأوكرانية، بأنها مرتبطة بطبيعة العلاقات الموجودة داخل النظام السياسي الفرنسي.

وأوضح: "تعيش فرنسا مرحلة صعبة لا يمكن لماكرون أن يتفاداها إلا باللجوء إلى أزمات خارجية كبيرة كتلك التي شنّها مع روسيا".

تعيش فرنسا مرحلة صعبة لا يمكن لماكرون أن يتفاداها إلا باللجوء إلى أزمات خارجية.
إدريس عيساوي، محلل سياسي

وعلى صعيد آخر، يقول عيساوي لـ"إرم نيوز" إن ماكرون يتخذ من الأزمة درعًا يحاول الخروج بها من وضع المتفرج إلى وضع الفاعل، عبر جعلها في قلب الاهتمامات الأوروبية.

واستطرد أن "الدور السياسي الذي يقوم به ماكرون داخل أوروبا ليس دورًا مهمًّا، وكان من الضروري له أن يبحث عن أزمات تعطيه هذه الأهمية والمكانة".

وأشار إلى أن ماكرون "يواجه عدة إشكاليات داخلية، منها نظام التقاعد وغلاء الأسعار والتغييرات الحكومية، أراد أن يغطيها بأزمات خارجية".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com