بين أوباما وبوتين ورئيس وزراء كندا.. ما معنى دبلوماسية الصدر العاري؟
بين أوباما وبوتين ورئيس وزراء كندا.. ما معنى دبلوماسية الصدر العاري؟بين أوباما وبوتين ورئيس وزراء كندا.. ما معنى دبلوماسية الصدر العاري؟

بين أوباما وبوتين ورئيس وزراء كندا.. ما معنى دبلوماسية الصدر العاري؟

كل شيء بدأ ببساطة، في أونتاريو، كانت عائلة تتنزه في إحدى الحدائق العامة لتفاجأ برئيس الوزراء الكندي جوستن ترودو، حيث كان يقضي عطلة مع عائلته.

طلب ابن تلك العائلة التقاط صورة مع ترودو، وقام والد الصبي بنشرها على صفحته على فيسبوك تحت عنوان "عندما تخرج من منزلك فأنت لا تعرف أبدًا المغامرات التي تنتظرك".

مقابلة رئيس الوزراء ليست أمرًا غريبًا في كندا، إلا إذا كان لا يرتدي قميصًا حين قابلته، وهو الأمر الذي جعل الصحافة تهتم بالخبر.

تحريك عالم راكد

أكثر ما أثار دهشة أحد محرري مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، هو رد فعل الحكومة الكندية على الصورة.. إذ لم يكن هناك أي رد فعل على الإطلاق.

وتكرّر الأمر بعد أسبوع، عندما كان أحدهم يقوم بتصوير زفاف على الشاطئ حين شاهد وجهًا مألوفًا مبتسمًا وراء العروس... كان ترودو وكان عاري الصدر"توبلس". شارك المصور الصورة على الإنترنت، ومرة أخرى انفجر الإنترنت بالتعليقات "جوستن ترودو دون قميص".

الجميل الذي رآه  محرر "الأفيرز" في هذه الصور، أنها تعمل على تحريك عالمنا الراكد، فترودو السياسي الكندي، الشهير بجاذبيته والذي فاز بعد معركة انتخابية شرسة، يأتي ليذكر الكنديين أن الأوقات الجيدة ستعود مرة أخرى.

ربما تبدو الصور الرئاسية العارية الصدر أمرًا غير مألوف، وتمثل ثنائية غريبة بين رسمية جهاز الدولة وكون الرئيس بشرًا حقيقيًا من لحم ودم، بمعنى آخر أن ظهور جوستن ترودو كمواطن عادي، يجب أن لا يكون له أي علاقة بمنصب رئيس الوزراء الذي يحتله حاليًا.

عمليًا، الناس كلها تعرف أن رؤساء الوزراء بشر مثلنا يأكلون وينامون ولديهم تناقضاتهم وأيامهم السيئة. لكن هناك رغبة لدى الناس بالتلصص عليهم لمعرفة من هؤلاء الذين يحكمونهم.

بين أوباما وبوتين

في أواخر عام 2008، وقد كان باراك أوباما انتخب حديثًا (لكنه لم يستلم منصبه بعد)، التقط أحد مصوري التابلويد صورة له خارجًا من الماء، وهو يبتسم وينظر إلى الشمس. وظهرت الصورة فورًا على المواقع والصحف في جميع أنحاء العالم، وكان الحكم على صورة أوباما في أمريكا بأنه "مثير..، ويصلح للرئاسة".

وفي بريطانيا، قامت صحيفة التلغراف بمقارنة صورة أوباما بزعماء العالم الآخرين الذين تجرؤوا على خلع قمصانهم علنًا مثل ساركوزي الذي بدا "زائد الوزن قليلاً"، بينما وصفت توني بلير بأنه "يمتلك جسد رجل قضى عشر سنوات يستمتع بحفلات الاستقبال الدبلوماسية."

الهدف من هذه الأمثلة، هو القول إن هؤلاء الرجال الأقوياء هم مثل الآخرين، لكنهم من جانب آخر ليسوا تمامًا كذلك. فنحن نتوقع أن يكونوا أشبه بنجوم السينما وعلى أجسادهم أن تكون أكثر تناسقًا وإثارة للإعجاب، لكن في الوقت نفسه، بعضنا غيور ويحسدهم لقوتهم، ويبحث عن الصفات البشرية العادية للتقليل من شأنهم، كالدهن المتراكم حول البطن أو الترهل في الجسد.

الرئيس أوباما فقط وضع حدًّا لذلك، سواء كان ذلك بدافع الخجل أو الشعور بأن الصور عارية الصدر غير لائقة، وأبلغ الصحفيين أنه لن يسمح بالتقاط أي صورة له دون قميص، رغم أن صور أوباما بدون قميص تظهر من حين لآخر، مثل تلك التي ظهرت له وهو يلعب الكرة على الشاطئ عام 2012، والتقطها مصور بعدسة طويلة، رغم كل جهود البيت الأبيض لمنع ذلك.

أنسنة المنصب

بالطبع، هناك إيجابيات لأنسنة المنصب وربطه بالحياة الخاصة، فالصور العارية تشكل دعاية قوية، وأفضل مثال على ذلك هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ففي الوقت نفسه الذي ظهرت فيه صورة أوباما، تضاعفت الصور التي تظهر بوتين يفعل أشياء رجولية كمصارعة النمور وركوب الخيل، وفي كثير من الأحيان بدون قميص، صورة رجل يمكن أن يتلقى ضربة لكنه يردها بأقوى منها.

في حالة بوتين، وعلى عكس ترودو وأوباما، التقطت الصور من باب المجاملة لمصوري الرئاسة الروس ويتم تسليمها مباشرة إلى وسائل الإعلام الرسمية الروسية. وربما كان المقصود منها القول للعالم "القيصر في حالة جيدة، لذلك لا تعبث معه".

ترودو سلك طريقًا وسطًا بين خصوصية أوباما وصور الدعاية لبوتين. ومن الواضح أن تعرية ترودو لصدره ليست لها أهمية سياسية ولا تعدو أن تكون رغبة رجل في خلع قميصه في يوم حار.

في اليوم الذي انتخب فيه رئيسًا للوزراء، ظهرت صور لترودو بدون قميص تعود إلى ما قبل سنوات أثناء مباراة للملاكمة، كما ظهرت صورة له وهو يمارس اليوغا واقفًا على راحتي يديه بشكل يظهر التوازن، وكانت تلك الصور تشير إلى قدرة ترودو على التوازن وقيادة كندا نحو آفاق جديدة.

ثقافة مختلفة

لفهم ما تعنيه رؤية ترودو عاريًا بالنسبة للكنديين، حسب محرر فورين بوليسي، علينا أن نفهم شيئًا عن الثقافة الوطنية هناك. في الصيف القصير الذي يعقب شتاء طويلاً متجمدًا، ينطلق الكنديون في نشاط بدني معربد، يخلعون أقمصتهم (وأحيانًا أكثر) لممارسة الركض أو التجديف أو السباحة في البحيرات والأنهار.

والانطلاق سمة لأسرة ترودو، من الأب إلى الابن، وكانت هذه الصفة هي ما صنعت شعبية والده عند توليه منصبه عام 1968.

الصورة تمثل معادلة معقدة: أن تكون عفويًا فيما يتعلق بالعري مثل ترودو، أو أن تهاجمه كما فعل المحافظون. وهو عفوي تمامًا في كل ما يفعله. فمنذ تسلمه منصبه شاهد الليبراليون الكنديون الرئيس ترودو يحرقه الاحتشام الزائف لرجعية السنوات السابقة؛ فقد رحب في البلاد بخمسة وعشرين ألف لاجئ سوري تحت شعار "التنوع قوة"، وشكل لأول مرة على الإطلاق حكومة متوازنة من الرجال والنساء، وهناك خطط لشرعنة الماريجوانا بحلول عام 2017.

هذا في كندا لا يعتبر تطرفًا، بل عودة إلى أيديولوجية ومجد الماضي، وإعادة إحياء أفضل ما في التراث الليبرالي التقليدي؛ فترودو يتحدث عن كندا باعتبارها دولة قوية يمكن لها أن تكون سخية مع الضعفاء.

ربما ليس هناك ما يمكن أن يبرز تلك الرسالة أكثر من الصور العارية الصدر للرئيس هذا الصيف. الرسالة من وجهة المحرر الصحفي  واضحة وتبعث على الارتياح، ففي ما يبدو العالم مجنونًا، وتهز الهجمات الإرهابية أوروبا، ويقود دونالد ترامب حملة عنصرية، وتعم العالم تحذيرات من انهيار وشيك، فإن رئيس كندا يبدو مرتاحًا وهو يتنقل هنا وهناك في أرجاء كندا عاري الصدر بلا قميص.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com