القائمون على الجنائز يتساءلون: لماذا نتجنب الموت ونعزل أنفسنا عنه؟
القائمون على الجنائز يتساءلون: لماذا نتجنب الموت ونعزل أنفسنا عنه؟القائمون على الجنائز يتساءلون: لماذا نتجنب الموت ونعزل أنفسنا عنه؟

القائمون على الجنائز يتساءلون: لماذا نتجنب الموت ونعزل أنفسنا عنه؟

في مقابلة مع مديرة مكتب والتر كارتر للجنائز في الضواحي الشرقية لمدينة سيدني، ديل ماروني. لم يتمكن الصحفي من تجاهل الكفن في نهاية الكنيسة، فقد كان الفقيد مغطى بعلم أستراليا في انتظار قدوم أفراد العائلة والأصدقاء ليودعوه الوداع الأخير.

ويقول مجري الحوار، "كان حديثي مع ديل ماروني هو الشيء الوحيد الذي جعلني أنسى وجود الكفن هناك. بل أنه وبعد خمس دقائق من حواري معها نسيت أنني كنت في بيت للعزاء".

مضيفًا، "توقعت أن يكون بيت العزاء مظلمًا، وكئيبًا، ولكنني تفاجئت بالغرف يملؤها الضوء والهواء المنعش. كما لاحظت وجود المناديل الورقية والأزهار في زوايا غرف الاجتماعات، بالإضافة الى موظفين مخصصين لتقديم المساعدة  يؤدون عملهم بكل مهنية".

بدا الموظفون، وكأنهم يعملون في مكتب، ولكنه لم يكن مجرد مكتب عادي، بل كان بيتًا مخصصًا لإقامة الجنائز حيث يأتي الأهل والأصدقاء لتقديم العزاء وتوديع الفقيد.

 وبحسب مجري الحوار، وهو الكاتب نفسه، حسب الكاتب،"توقعت أن أجد أمامي عند وصولي لبيت العزاء صفًّا من التوابيت، ولكنني فوجئت بترحيب حار من السيدة ماروني مديرة مكتب والتر كارتر للجنائز".

تتعامل مديرة مكتب الجنائز مع وظيفتها بجدية تامة، ويتفاجئ الكثيرون عندما تؤكّد لهم أن وظيفتها تتطلب منها العمل يوميًا مع الموتى. تقول السيدة ماروني: "يمكنك أن ترى الدهشة على وجوه الناس عندما اخبرهم عن عملي. وحالما يستفيقون من الصدمة يبادرونني بالسؤال المعتاد: لطالما تساءلنا عن هذا العمل".

تقول ماروني، إن أحد أهم الجوانب في عملها، هو أنه يتيح لها فرصة مناقشة أكثر موضوع يتجنبه الجميع، ألا وهو الموت. وتؤكّد بدورها أنه ينبغي مناقشة هذا الموضوع أكثر حتى وإن كان يجلب الكثير من الأسى.

تقوم ماروني بتقديم تسهيلات تجهيز الجنازة التي قد تزيد من أعباء الأهل الذين هم في حالة من الحزن الشديد. قائلة: "يخطط الناس لإقامة حفل زفاف ويدفعون ما قد يصل لــ 40,000 دولار، بينما لا يأبهون بإقامة جنازة مهيبة لأحبائهم. قد يبدو أمرا بديهيًا، ولكن الميت لا يقدر أن يخبر أحباءه بما يرغب أن يفعلوا لأجله".

وتضيف ماروني، "تشير الإحصاءات أن ما لا يزيد عن 6% من الأستراليين يخططون لجنازاتهم بشكل ملائم. أعتقد أن غالبية الناس يميلون إلى تجنب التحدث عن الجنازة والموت خوفًا من أن يحل عليهم الموت فجأة، ولكن ما لا يدركونه هو أن التحدث عن هذا الامر أحيانًا مهم".

تعتقد ماروني أنه في حال قام الناس بالتحدث عما يرغبون فيه بعد وفاتهم بشكل صريح، فإن هذا الأمر سوف يوفر عليهم الكثير من الأسى فيما بعد وخاصة إذا كنا نتحدث عن أشخاص ينحدرون من خلفيات دينية أو ثقافية محددة.

وتؤكّد، أن عدد الوفيات في السنوات الأخيرة، ازدادت في المستشفيات أو في دور الرعاية بعيدًا عن دفء المنازل، الأمر الذي قد كشف عن حقيقة تجنبنا للموت.

ورغم تجنبنا للحديث عن الموت، إلا أننا لا نستطيع ان نقاوم التفكير بما سوف يحدث بعد وفاتنا – وهو السبب الرئيس الذي يدفع الناس لسؤال السيدة ماروني عن  متطلبات وظروف عملها. ولكن الحقيقة أن الأخيرة لا تشعر بأي غرابة نتيجة طبيعة عملها، ذلك لأن هذه المهنة هي مهنة العائلة منذ عقود، الأمر الذي جعلها معتادة على العمل في تلك الظروف.

فقد افتتح جدها الأكبر، والتر كارتر، مكتب الجنائز العام 1887 وبعد أجيال من العمل، كانت ماروني المديرة الخامسة للمكتب.

وتقول ماروني، يخطئ الكثيرون عندما يظنون أن هذه الوظيفة تقتصر على التعامل مع الموتى فحسب، بينما في الحقيقة تخدم هذه الوظيفة الأحياء أيضًا في كثير من الأحيان:" إنه لشرف كبير أن تقدم المساعدة للأشخاص، وهم في أمس الحاجة إليها".

ووفقًا للكاتب، بدت ماروني سيدة متفائلة جدًا، بالرغم من الموت الذي يحيط بها يوميًا. وتقول بهذا الشأن: "أقدر الحياة أكثر عندما أرى الموت كل يوم".

وعندما سُئلت عن ما إذا كانت تخاف الموت؟، أجابت: "بالطبع لا، لو كنت أخاف الموت لما وجدتني أعمل هنا".

خلقت الأفلام في مخيلة الناس قصصًا، وأساطير، حول مدراء مكاتب الجنائز، بالرغم من أن هذه القصص لا تمت للواقع بصلة. حيث تصف السيدة ماروني نفسها بمستشارة تقدم العديد من الخدمات بهدف مساعدة الأشخاص في أصعب الأوقات التي يمرون بها في حياتهم.

وحول سؤال، ما هي متطلبات وظيفة إقامة الجنائز؟

تجيب ماروني: "ينبغي أن تكون متعاطفًا مع الآخرين، أن تكون مبدعًا ومنظمًا وقادرًا على تولي العديد من المهام في وقت واحد. عليك أيضًا أن تدرك أنك لست مستشارًا فحسب، بل أنت تقوم على تنظيم فعالية مهمة لحدث مهم للغاية".

وتضيف ماروني، لا يقتصر عمل منظمي الجنازات على إحضار الأزهار وترتيب مراسم الجنازة، بل يمتد الى نقل الميت من مكان وفاته إلى مثواه الأخير، بالإضافة الى تقديم خدمات تكنولوجية، مثل انتقاء الكفن الذي يتم عن طريق الآي باد هذه الأيام.

وتقول: "أحاول أن أجنب الأهل والأقارب تجربة الدخول الى غرفة مليئة بالأكفان".

ولا شك أن العمل في إقامة الجنائز يختلف عن باقي الوظائف، ويتطلب أسلوب تصرف معين قد لا يخلو من السلبيات. فعادة ما يواجه العاملون في هذا المجال تجارب مؤلمة مثل ترتيب جنازة طفل أو جنازة شخص مات ميتة مؤلمة.

وتضيف ماروني: "يبدو واضحًا أن وظيفتنا تجلب الكثير من الحزن والأسى، فنحن لا نقيم حفل زفاف أو فعالية سعيدة هنا". ناهيك عن المسؤوليات الإضافية التي يتطلبها تحضير جنازة شخص عانى من إصابات خطيرة أو جنازة لجثة قد تعفنت.

وبالرغم من ذلك، أكدت ماروني، أنها تعتبر عملية تحضير الموتى رائعة ابتداء من كسوة الفقيد ووضع المكياج الى تغطية الجروح والإصابات التي قد تكون ضرورية أحيانًا.

ولا زالت ماروني، تظن أن موت الأطفال، هو الأصعب على الإطلاق لأنه يؤثر بشكل كبير على الأهل. وبالرغم من تلك الصعوبات، تؤكد ماروني، أن عملها لا يزال يحمل العديد من الإيجابيات.

وفي نهاية المقابلة، تختم ماروني، بقولها: "يقابلني الأهل والأقارب بعد انتهاء الجنازة بالشكر والعرفان، وأحيانًا يرسلون لي بطاقات الشكر. أعتقد ان هذا ما كان ليحصل إن كنت أعمل في وظيفة أخرى. إن شكرهم وتقديرهم لما أفعل يعني لي الكثير".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com