أمريكا.. نظرة نمطية للغة العربية ومتحدثيها تربطهم بالإرهاب
أمريكا.. نظرة نمطية للغة العربية ومتحدثيها تربطهم بالإرهابأمريكا.. نظرة نمطية للغة العربية ومتحدثيها تربطهم بالإرهاب

أمريكا.. نظرة نمطية للغة العربية ومتحدثيها تربطهم بالإرهاب

أثارت النظرة النمطية تجاه اللغة العربية ومتحدثيها، وربط عباراتها المتداولة بالتطرف والإرهاب، بموازاة ما يشار إليه فور الحديث عن الإسلام ومعتنقيه حفيظة عدد من ناشطي التبادل الثقافي في الولايات المتحدة.

ونشرت صحيفة "ذا واشنطن بوست" مقالاً يتناول سوء الفهم والتنميط الذي يتعرض له العرب والمسلمون، مع استخدامهم للغتهم ومحتواها الثقافي الإسلامي، كتبته مدرسة اللغة الإنجليزية كاتلين كندرفاتر، التي تدرس طلبة تبادل ثقافي بكالفورنيا.

وتحدثت كندرفاتر عن أن مجرد التفوه بعبارات متداولة في القاموس العربي يضعك تحت ضوء المشكوك بنيتهم، لأي فعل إرهابي كان، وذلك بسبب تأثير الإعلام المشوِّه لصورة العرب، والذي يعد النافذة الوحيدة تجاه ثقافتهم.

وقالت "هذه اللغة الجميلة يجب التحدث بها أكثر، وليس أقل في الأماكن العامة، لتجنب سوء الفهم.. (الله أكبر) ليست عبارة مخيفة، لكن الإرهاب شوّه طريقة سماعنا للغة العربية."

وتوضح كندرفاتر –في مقالتها- أنها عملت في قطاع تعليم كتابة اللغة الإنجليزية لطلاب من المملكة العربية السعودية مع برنامج تبادل ثقافي في جامعة كاليفورنيا لمدة سنتين. وخلال تدريسها لأول الفصول، كان الطلاب يناقشون مقالات قبولهم الجامعي في مجموعات صغيرة، مستخدمين مزيجاً متراكباً من العربية والإنجليزية.

وسمعت تكرار قول طلاب إحدى المجموعات: "حماس، حماس". التي كانت تسمعها فقط من خلال الأخبار عن قطاع غزة. فافترضت أنهم خرجوا عن موضوع النقاش الأساسي. دون أن تشعر بقلق من "نية إرهابية" بين أفراد المجموعة على حد تعبيرها.

حينها سألت طلابها فيما إذا كانوا ما زالوا يتحدثون عن مقالاتهم. فأكدّوا ذلك. لكنها تساءلت " لماذا تتحدثون عن فلسطين إذن؟". لينظروا إليها باستغراب لبضع ثوان قبل أن يضحكوا بصوت عالٍ. فاتضح فيما بعد أن كلمة "حماس" تعني "الهمة والنشاط" وأنه هتاف شائع بالعربية. والطلبة استخدموها بطريقة مشابهة لما قد يقول عنه الأمريكيون "رائع" أو "مذهل".

فلم يكونوا يتحدثون عن غزة. بل كانوا يمدحون أراء بعضهم ويظهرون ردة فعل إيجابية لجلستهم تلك.

تتابع كندرفاتر "سوء فهمي أصبح الآن نكتة للصف.. وحينما عادوا من عطلة الربيع رووا لي قصة طريفة عن ذهابهم إلى مدينة ترفيهية حيث أشار أحد الطلبة إلى لعبة الجبل الروسي وهتف "حماس، حماس!" الطلبة الآخرون الذين تبادلوا النظرات الضاحكة أخبروا صديقهم بأن يخفض صوته.. حتى لا يشك أحد بأمرهم.."

هذه الواقعة جعلت كندرفاتر تدرك كيف أن تعرضها للغة العربية قبل تدريسها للطلبة بشكل رئيس كان من خلال قصص الإعلام عن الحرب والارهاب. فيما حاولت أن تجد مصدراً للغة الإنجليزية يناقش معنى كلمة "حماس" بشكل منعزل عن ارتباطها بفلسطين. لكنها لم تجد نتيجة.

وأضافت "علمني طلابي -أيضاً- المعاني اليومية لكلمات وتعابير أخرى يربطها الكثير من الأمريكيين بالمتطرفين الإسلاميين. هم يصلّون دائماً في آخر الغرفة الصفية، يتمتمون بصوت خفيض (الله أكبر).. أنا الآن أربط هذا التعبير بالتأمل الهادئ وأوقات الاستراحة المسالمة، ووقت الاسترخاء.."

كما أوضح الطلاب لمدرستهم لاحقاً أن الكلمة العربية التي تعني الصرف والنحو هي "قواعد"، والتي تأخذ جذرها من صيغة الجمع لقاعدة أو أساس، نفس الاسم الذي يحمله التنظيم الإرهابي "القاعدة". فعلقت "أستطيع فقط تخيّل أمريكي متشكك قد يفسّر بشكل خاطئ نقاشاً بريئاً بين طلابي عن قواعد اللغة".

وتروي كندرفاتر "هذا يفسر إلى حد ما سبب إنزال أحد طلاب جامعة كاليفورنيا بيركلي من على متن رحلة طيران، لأن راكبة أخبرت مضيفة الطيران بأنها سمعته يقول (شهيد) المرادف العربي لـ(من يضحي بنفسه). حيث نفى الطالب قوله (شهيد) لكن الراكبة اختلط عليها الأمر عندما قال (إن شاء الله) في نهاية الحوار.. وهو تعبير شائع بالعربية عند التخطيط لشيء أو التحدث عن المستقبل، وتستخدم بطريقة مشابهة لما يقوله المتكلم الإنجليزي (أتمنى حدوث ذلك). هذا ليس سبباً للشك والريبة. لكن هذا النوع من سوء الفهم سوف يستمر بالتأكيد طالما أن الأمريكيين يتعرضون بشكل رئيس للغة العربية من خلال قصص الإعلام عن التطرف الإسلامي".

أحد طلبة كندرفاتر أراد الإجابة عن استبيان مقالها الذي تسأل فيه عن "ما هو الجانب الذي يجعلك فخوراً بنفسك في شخصيتك بكلمة (جهاد)؟". وبمعزل عن ارتباط الكلمة بالعنف، تقول: (جهاد) تعني (السعي، تحقيق الذات، المثابرة)، وذلك الطالب كان عاملاً مجدّاً برغم العديد من التحديات. وقد نصحته في النهاية بعدم استخدام الكلمة في الاستبيان، إذ إن فرصة التفسير الخاطئ للكلمة تبدو كبيرةً جداً. أخذ بنصيحتي، لكنني أشعر بالأسى لأنني اضطررت لذلك التصرف".

تكمل كندرفاتر "بفضل طلابي، لدي الفرصة بأن أستمع للغة العربية بشكل حيادي، داخل سياق الحياة اليومية. فهي لغة غنية بالتعابير التي لها صدى على جدران غرفتنا الصفية خلال أوقات الاستراحة، ونقاشات المجموعات الصغيرة. يقوم طلابي بتضمين كلمات وأسماء إنجليزية بينها، لذلك يمكنني غالباً أن أفهم جوهر ما يتحدثون عنه دون ترجمة. فهم يتحدثون عن نفس الأشياء التي يتحدث بها المراهقون الأمريكيون: طلبات الجامعة، الأفلام والموسيقى، مشاكل الامتحانات والمعلمين، التخطيط لعطلة الربيع".

وتختم مقالها بالقول: "لمنع هذا النوع من التمييز العنصري الذي تم الإبلاغ عنه في رحلة طيران شركة ساوث-ويست للطيران هذا الشهر، يحتاج الأمريكيون فرصة أكبر لسماع اللغة العربية في هذه الأوضاع الطبيعية. وبكل الأحوال ليطبق ذلك على المتحدثين باللغة العربية أن يشعروا بأنهم بأمان للتكلم بلغتهم الخاصة. طلابي أخبروني بأنهم لن يتحدثوا باللغة العربية في المطارات الأمريكية حتى لا يخاطروا بتصنيفهم على أنهم مصدر خطر عال". مشيرة "هل سنشعر بالأمان أكثر اذا أوقفنا 300 مليون متكلم أصيل باللغة العربية عن ممارسة حوار طبيعي في المطارات والمرافق العامة؟ لا أعتقد ذلك. أعتقد أنه علينا سماع اللغة العربية تحديداً في هذه المرافق. إنها الطريقة الوحيدة التي ستجعلنا نبدأ بربط العربية بمعانيها المتعددة والمختلفة، بدلاً من المعاني المحدودة والمتطرفة منها. أنا لا أربط العربية بالتطرف الديني. بل أربطها بقبول ورفض طلاب جامعتي، ضحكاتهم وأحزانهم اليومية، آمالهم وتطلعاتهم للمستقبل: لأنفسهم، لبلدهم وللعالم".

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com