كان عام 2023 ثقيلا على فرنسا، واجهت فيه الدولة أزمات داخلية وانقسامات بسبب قوانين وقرارات حكومية، في وقت كان فيه الرئيس إيمانويل ماكرون يحاول بصعوبة العودة إلى التأثير في الساحة الدولية من خلال حرب غزة، بعد أن واجهت سياسته الخارجية ضربات استراتيجية خصوصًا في قارة أفريقيا.
مبادرات فارغة
وعبر ماكرون عن تحيز كامل لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، بعد أن دعا إلى تأسيس تحالف لمقاتلة حركة حماس على غرار التحالف الدولي لمحاربة داعش، إلا أن مقترح الرئيس الفرنسي لم يجد ترحيبا، وهو ما دفعه للتراجع وطرح مبادرة جديدة تتناول الشق الإنساني والسياسي والأمني.
ولم تلق مبادرة أخرى لماكرون أيضا آذانا صاغية، بعد أن عقد مؤتمرا جمع فيه نحو مليار دولار لغزة، لكنه شهد غيابا واسعا خصوصا من الدول العربية، وهو أمر وصفه مراقبون بـ"الفشل المبكر" للجهود الفرنسية.
وتشير المساعي الفرنسية إلى أن ماكرون يحاول جاهدا إبعاد تداعيات الحرب في قطاع غزة عن فرنسا التي تشهد أصلا انقسامات على أساس ملفات داخلية، وخصوصا مع احتضانها العدد الأكبر من المسلمين واليهود في أوروبا.
كما تقمصت باريس التي أدركت عدم قدرتها في التأثير على مجريات الحرب في القطاع الفلسطيني، دور ساعي البريد بين إسرائيل ولبنان، في ظل زيارات متكررة لمسؤوليها سعت لمنع تطور الاشتباكات بين ميليشيا حزب الله والجيش الإسرائيلي إلى حرب شاملة.
وفشلت باريس في الضغط على لبنان وحزب الله لتنفيذ القرارات الأممية الداعية لسحب الميليشيا إلى ما وراء نهر الليطاني عن الحدود مع إسرائيل.
تساقط النفوذ
ومع اندلاع الحرب في غزة، كانت فرنسا ما تزال تحاول الاستفاقة من الضربة الكبيرة التي تلقتها في آخر وأهم مصالحها في الساحل الأفريقي وغرب القارة السمراء، بعد أن وصل الجنود إلى سدة الحكم في النيجر عبر انقلاب عسكري.
وبداية من مالي، مروراً ببوركينا فاسو، وصولاً للنيجر، بات التواجد الفرنسي الدبلوماسي والعسكري غير مرحب به؛ إذ طردت المجالس العسكرية الحاكمة، ممثلي باريس في ضربة سياسية واقتصادية لم تتلق الدولة الأوروبية مثيلا لها.
ومع إدراك فرنسا أن روسيا والصين سحبتا البساط الأفريقي من تحت أقدامها، روجت الأولى لتدخل عسكري خصوصًا في النيجر، عبر محاولات للتأثير على المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لكنها لم تنجح.
وظلت فرنسا تبحث عن دورها الدولي، بعد أن حاولت تسريع دخول أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، منهية بذلك موقفا اتسم بالرمادية، كذلك سعت إلى التقارب مع الهند ودول أخرى لتعزيز حضورها في المنطقة، في حين حاولت طي صفحة الخلاف مع أستراليا الذي اندلع بعدما ألغت الأخيرة صفقة لشراء غواصات فرنسية لصالح شراء غواصات أمريكية بريطانية.
داخل مضطرب
داخليا واجهت فرنسا أزمات واحتجاجات عنيفة، إزاء قانون التقاعد، الذي اعتمده الرئيس الفرنسي في أبريل/نيسان بعد أن لجأت الحكومة إلى مادة قانونية تمنحها السلطة لتمرير النص دون تصويت البرلمان، الأمر الذي أجج الاحتجاجات.
ولم تكن احتجاجات نظام التقاعد هي الوحيدة التي عاشتها فرنسا في عام 2023؛ إذ تسبب مقتل الفتى نائل -جزائري الأصل- على يد الشرطة، في نشوب أعمال عنيفة امتدت إلى مختلف أنحاء البلاد وتخللها حرق لمركبات ومبان ونهب لمحال تجارية في يونيو/حزيران.
واندلعت الاضطرابات في جميع أنحاء البلاد في مدن مثل مرسيليا وليون وتولوز وستراسبورغ وليل، بالإضافة إلى باريس، في حادثة أعادت إلى الواجهة اتهامات يوجهها الفرنسيون من أصول أفريقية للدولة بممارسة العنصرية ضدهم.
كما شهد ديسمبر/كانون الأول، انقسامات بين الأطراف الداعمة للحكومة، عندما صادق البرلمان على قانون الهجرة.
وأثار المشروع جدلًا، في فرنسا، وبعد إقراره رسميا، استقال وزير الصحة في الحكومة الفرنسية، أوريليان روسو.
وينص القانون على إجراءات جديدة للتحكم في سبل الإقامة ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وتعزيز الرقابة على هجرة الطلاب، كذلك حدد بصفة صارمة، شروط الاستفادة من المزايا الاجتماعية.