الرقص وطهي المحار وسائل مرشحي الانتخابات الإسبانية لكسب المؤيدين
الرقص وطهي المحار وسائل مرشحي الانتخابات الإسبانية لكسب المؤيدينالرقص وطهي المحار وسائل مرشحي الانتخابات الإسبانية لكسب المؤيدين

الرقص وطهي المحار وسائل مرشحي الانتخابات الإسبانية لكسب المؤيدين

مدريد - استعراضات راقصة، طهي بعض المحار على البخار، العزف على الجيتار، قيادة سيارة سباق صغيرة أو تسديد رمية بكرة سلة في برنامج حواري تليفزيوني، كل هذا وأكثر جائز من أجل الحصول على حفنة أصوات في إطار حملة الدعاية للانتخابات العامة الإسبانية، المقررة في العشرين من الشهر الجاري، والتي احتدمت منافستها بصورة غير مسبوقة منذ أربعة عقود هي عمر الديمقراطية في إسبانيا.

في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) قال لويس أرويو، مستشار حملة مرشح الحزب الاشتراكي بدرو سانشيث "الناخبون لديهم فضول للتعرف على الجوانب الشخصية في المرشحين: هواياتهم، ذوقهم، وأسلوب حياتهم. الظهور في البرامج التليفزيونية له تأثير كبير على قرار الناخبين".

تجدر الإشارة إلى أنّ الإسبان لم يعتادوا إلى الآن على مشاهدة رجال السياسة في البرامج التلفزيونية بصورة يومية على هذا النحو، وخاصة برامج الترفيه، لكي يستعرضوا جوانب من حياتهم الشخصية والعائلية ويتحدثون عن هواياتهم وأذواقهم.

وفي هذا الصدد، قال رئيس الحكومة وزعيم الحزب الشعبي الحاكم، ماريانو راخوي: "أتمنى أن يسهم ذلك في أن يعرف الناس أني واحد منهم"، جاءت هذه التصريحات خلال مقابلة غير رسمية مع راخوي في منزل المطرب برتين اوزبورن، حيث تشاركا لعب كرة القدم وأعدا طبق محار على البخار. ومن المعروف أنّ راخوي ليس مقرباً كثيراً من الصحافة، كما رفض الدخول في مناظرات مع مرشحي القوى السياسية الأخرى، باستثناء غريمه التقليدي مرشح الحزب الاشتراكي بدرو سانشيث، ومع ذلك قبل دعوة أوزبورن وكذلك دعوة إحدى محطات الإذاعة للتعليق على مباراة كرة قدم.

من جانبها، توضح باولا ريكيخو خبيرة الإعلام السياسي والأستاذة بجامعة "كاميلو خوسيه ثيلا"، أنه "نظراً لأنه لا يتمتع بنفس القدر من البلاغة الخطابية التي لدى غيره من المرشحين، قرر راخوي مقاطعة المناظرات، ولكنه قبل دعوات برامج أكثر بساطة، وأقل عرضة للوقوع في مآزق السياسة، وذلك حرصا منه على الحفاظ على قواعده، واجتذاب الذين لم يتخذوا قرارهم بعد، أو أصحاب الكتلة الحرجة".

جدير بالذكر، أن نائبة رئيس الحكومة، ورقم اثنين في الحزب الشعبي، سورايا سائنث دي سانتا ماريا، حلت محل راخوي في جميع المناظرات التي طرحت على الحزب الحاكم. كما أوكل إليها طول مدة الحكومة الحالية الإعلان عن الاستقطاعات وغيرها من التدابير الاقتصادية في وقت الأزمة، كما أظهرت الجانب الأكثر صلابة في شخصيتها حينما شاركت المغامر خيسوس كاييخا، رحلة الحج إلى سانتياجو دي كومبوستيلا، والجانب الأكثر حضورا حين اشتركت في عرض برنامج "الأورميجيرو"، الشهير على قناة "انتينا 3"، مؤكدة في تصريحات صحفية "نعم أحب أن أمرح قليلا، وهذا ليس أمرا سيئا، أليس كذلك؟".

وكان زعيم الحزب الاشتراكي "بدرو سانشيث" قد حل ضيفاً على نفس البرنامج الذي يقدمه الصحفي الشهير بابلو موتوس. وقد استغل "سانشيث" الفرصة لاستعراض مواهبه كلاعب سلة سابق وسدد عدة رميات. كما استضاف البرنامج أيضا قيادات الأحزاب الناشئة مثل البرت ريبيرا، زعيم ثيودادانوس (يمين وسط)، الذي شارك في سباق لسيارات السرعة الصغيرة، وبابلو إيجليسياس، زعيم "بوديموس" والذي عزف على الجيتار أغنية مرتجلة.

وتوضح "ريكييخو" أنّ هذه الممارسات، لا تمثل ظاهرة غريبة بحسب نظريات الإعلام السياسي، فمنذ أكثر من نصف قرن، نجح جون كينيدي في استغلال وسائل الإعلام للترويج لحملته، فيما عرف بعد ذلك بدور الإعلام في إبراز المرشح السياسي، من خلال التركيز على قدرته على التواصل، حياته الخاصة أكثر من أدائه السياسي أو إنجازه المباشر. وتضيف أن "هذا النوع من إضفاء الطابع الإنساني على المرشحين، لديه جوانب إيجابية، حيث يجتذب الناخبين أكثر بعد تعرفهم على أسلوب مرشحهم، كما له أيضا جوانب سلبية لأنه في كثير من الأحيان يدفع بالناخبين للتصويت للمرشح الذي يروقهم أسلوبه، بصرف النظر عن أية اعتبارات أخرى".

تاريخيا، بدأت "أمركة" العملية السياسية في إسبانيا بالتزامن مع التحول إلى الديمقراطية بعد انتهاء عصر دكتاتورية فرانكو (1975-1939)، ولكن الطفرة التي شهدها المسرح السياسي في هذا الاتجاه لم تحدث إلا في العامين الأخيرين فقط، مع ظهور قوى سياسية جديدة: بوديموس وثيودادانوس، وتنافس القوى التقليدية: الحزبين الشعبي اليميني والاشتراكي اليساري، وعزز من هذا التوجه اتساع تأثير شبكات التواصل الاجتماعي وظهور جيل من السياسيين الشبان المتمرسين على عالم "السوشيال ميديا" وبرامج تلفزيون الواقع.

تقول ريكييخو: "هناك مرحلتان فارقتان في هذه الطفرة. الأولى مرحلة بزوغ نجم بابلو إيجليسياس، وقد استفاد من خبرته كأستاذ علوم سياسية في التسويق لنفسه جيدا عبر الوسائط الجديدة التي دخلت على وسائل الإعلام". وتضيف أن الثانية تتمثل في تولي بدرو سانشيث زعامة الحزب الاشتراكي في تموز/ يوليو 2014، حيث "استنسخ حملة أوباما الرئاسية عام 2008 وله شريط مصور في ذلك الوقت يتحدث عن إسبانيا قبل وبعد".

وتظهر في الشريط المصور المعنون "من هو بدرو سانشيث هذا؟"، صورا لزعيم الحزب الاشتراكي في طفولته وصباه، وبداية التحاقه بشبيبة الحزب، وفي الخلفية يتحدث أشخاص من المحيطين به، ومن بينهم زوجته، عن هواياته وأنواع الموسيقى التي يستمع إليها.

وهنا يتبادر السؤال: لماذا الحرص الآن على التركيز على الجوانب الشخصية كوسيلة تواصل بين المرشحين وناخبيهم في إسبانيا؟.

العامل الأول يكمن في أهمية الحصول على الأصوات في خضم هذا الماراثون الانتخابي المحموم، تزيد من حدته استطلاعات الرأي التي قلصت الفارق بين القوى السياسية الرئيسية الثلاثة: الحزب الشعبي، الحزب الاشتراكي وثيودادانوس، وأبرزت أنّ الكتلة الحرجة من أصحاب الأصوات الذين لم يقرروا بعد من سيختارون، تفوق الـ30% من إجمالي الكتلة التصويتية، وهو وضع غير مسبوق في إسبانيا.

يقول أرويو: "عندما لا تضطر للمنافسة من أجل الحصول على الأصوات، لن تجد من الضروري الظهور في برنامج تلفزيوني لكي ترقص، أو تطهو أو تعزف الجيتار، ولكن مع وجود حالة شبه تعادل بين المتنافسين، يجب البحث عن الدعم في أي مكان".

كما أن توقيت الحملات الانتخابية تدار في وقت يشهد فيه المجتمع الإسباني حالة من الاستقطاب على خلفية الأزمة الاقتصادية وفضائح الفساد والاحتجاجات التي نجمت عنها، والتي تقودها حركة "الغاضبون".

ويوضح أرويو "أصبحنا نرى مناقشات سياسية حادة في برامج التلفزيون ليلة السبت، هذا أمر غير معهود على الإطلاق في إسبانيا".

وبسؤاله، هل تقف إسبانيا على أعتاب نهاية حقبة من الإعلام السياسي؟ أجاب مستشار الحملة الانتخابية للمرشح الاشتراكي: "لا أعتقد"، مستبعدا اختفاء اللقاءات السياسية والمناظرات التقليدية بسبب تأثير وسائل التواصل الإجتماعي ومستجدات عصر الانترنت. ولكنه أكد "حقيقة أن حشد الجماهير لحضور لقاء حزبي أو سياسي بات من الأمور بالغة الصعوبة، إلا أن طموح أي سياسي سيظل دوما قدرته على حشد جماهير تضاهي حشود كرة القدم وتملأ الاستاد".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com