جنوب السودان.. حلم الاستقلال الذي لم يكتمل
جنوب السودان.. حلم الاستقلال الذي لم يكتملجنوب السودان.. حلم الاستقلال الذي لم يكتمل

جنوب السودان.. حلم الاستقلال الذي لم يكتمل

أديس أبابا - سيظل التاسع من شهر يوليو/تموز عام 2011، حاضراً في ذهن السودانيين "بشقيه" الشمالي والجنوبي في مناسبة جسدت أحلام جزء منهم، وأحزان جزء آخر.

فاتفاقية "نيفاشا" التي وُقعت في المنتجع الكيني عام (2005) بين طرفي النزاع، حكومة البشير ممثلة في نائب الرئيس آنذاك علي عثمان محمد طه، وزعيم الحركة الشعبية جون قرنق دي مبيور، وضعت حداً فاصلاً لحروب طال أمدها، وانتهت بتقرير الجنوبيين لمصيرهم بعد ست سنوات من التوقيع، وهو ما أدى إلى تصويتهم لصالح خيار الاستقلال بنسبة عالية قاربت 99%، ثم رفع علم بلادهم كأحدث دولة في العالم، صبيحة التاسع من شهر يوليو/تموز2011 في احتفال شارك فيه الرئيس البشير، وتسلم العلم الذي كان يمثل السودان الموحد، ليصبح منذ ذلك التاريخ علماً لجمهورية السودان "الشمالي" فقط.

بعودة سريعة لتاريخ الظروف والأسباب التي أدت لتقسيم السودان إلى دولتين منفصلتين، سنجد أن الاستعمار البريطاني كان قد زرع بذرة هذه الخطوة منذ زمن بعيد، أي قُبيل رحيله في العام 1956، حيثُ وضع ثلاث خيارات لمستقبل العلاقة بين جزئي البلد الواحد، أوله ضمُ الجنوب لشمال السودان تحت إدارة فيدرالية، أو اعتباره جزءاً لا يتجزأ من الشمال، أما الخيار الثالث، فقد تلخص في ضمه (الجنوب) لدولة أوغندا المجاورة.

وقبل ذلك بأربعة وثلاثين عاماً (1922)، صدر ما سُمي آنذاك بـ(قانون المناطق المقفولة) الذي "دقَ إسفيناً" بين الشمال والجنوب، حيث مُنع الشماليون المسلمون من دخول الجنوب إلا بإذن من السلطات البريطانية الحاكمة، ولحقته سلسلة من الإجراءات عام 1930 بمنع فتح المدارس العربية في الجنوب، مع السماح للبعثات "الإرسالية" الأوروبية المسيحية بممارسة نشاطاتها بحرية تامة، وتشمل فتح مدارسها الكنسية لتعليم أبناء الجنوبيين، فيما حظر القانون الدُعاة المسلمين من أي نشاط ديني، كما شملت تلك القرارات منع الجنوبيين من استخدام اللغة العربية في الحياة العامة، كما مُنعوا من لبس الزي الشمالي (الجلابية)، أو التسمي بأسماء عربية، كما مُنعوا أيضاً من الالتحاق بكلية "غردون" في الخرطوم "جامعة الخرطوم الآن"، غير أنّ هذا القانون أُسقط في عام 1946.

في يونيو/حزيران1947 عقد مؤتمر جوبا، بدعوة من السكرتير الإداري البريطاني سير جميس روبرتسون، بهدف التمهيد لوحدة طبيعية قائمة بين الشمال والجنوب، حيث أوصى بتمثيل سكان الجنوب في المجلس التشريعي حال تأسيسه.

في العام 1955، بدأت أولى بوادر الانفصال، حين تمرّدت في مدينة "توريت" الجنوبية، وحدة عسكرية تابعة لما كان يسمى آنذاك بقوة دفاع السودان، مكونة من أفراد جنوبيين، على قرار بنقلهم للعمل في الشمال، وامتدت حالة التمرد إلى بقية المدن الجنوبية، وطالت المواطنين الشماليين هناك أعمال قتل وتخريب لممتلكاتهم التجارية.

عام 1963، أدى قرار إيقاف حكومة الرئيس إبراهيم عبود، نشاط البعثات التبشيرية المسيحية، إلى تبني حزب "سانو" الجنوبي الدعوة لاستقلال الجنوب في دولة منفصلة، أعقبها في شهر سبتمبر/أيلول 1963 تأسيس أول حركة تمرد منظمة تحت قيادة الجنرال جوزيف لاقو، والتي مارست سياسة حرب العصابات ضد الحكومة في الشمال.

في ديسمبر عام 1964، وإثر سقوط حكومة الرئيس عبود بثورة شعبية، دعت الحكومة الانتقالية برئاسة سر الختم الخليفة، لمؤتمر المائدة المستديرة، الذي عُقد في مارس/آذار 1965، وانقسمت الآراء بين الأطراف الممثلة لطرفي النزاع بين من ينادي بالانفصال التام عن الشمال، وآخر يُحبذ نوعاً من الوحدة الفيدرالية.

ولكن المؤتمر تمخض عن دعوات تبنت في النهاية اتجاهين، أحدهما دعا إلى اتحاد بين دولتين شمالية وجنوبية، يكون لكل منهما برلمانه الخاص، وإدارة تنفيذية منفصلة عن الأخرى، مع إفساح المجال للطرفين لتنفيذ سياسة اقتصادية حُرة، وفي مجالات الأمن والزراعة والتعليم، والسماح بتكوين جيش جنوبي منفصل تحت قيادة موحدة مع الشمال، وهو ما رفض الشماليون مجرد مناقشته رفضاً قاطعاً، داعين إلى السماح بتشكيل إدارة إقليمية تتمتع ببعض الحريات في بلد واحد، وهو ما رفضه الجنوبيون من جانبهم، ما أدى، بالمحصلة، إلى فشل المؤتمر.

في العام 2013 ، وبعدين عامين من إعلان استقلال جنوب السودان كدولة ذات سيادة واستقلال، اندلعت أعمال عنف بين مناصري الرئيس سفاكير ميارديت (ينتمي إلى فرع من قبيلة الدينكا في ولاية بحر الغزال)، ونائبه رياك مشار (ينتمي لقبيلة النوير في ولاية أعالي النيل)، تطورت بعد أيام إلى حرب شاملة بين الطرفين فشلت معها كل محاولات التهدئة عبر مفاوضات "ماراثونية" قادتها مجموعة الايغاد، وقع فيها الطرفان على عدد من المواثيق تتعهد بوقف الاقتتال بينهما.

وقد شهدت العاصمة الأثيوبية أديس أبابا مراسيم توقيع تلك الاتفاقيات بحضور ومشاركة العديد من دول أفريقيا والعالم، منها اتفاقية بتاريخ 24 يناير 2014، وأخرى في 9 نوفمبر 2014،وثالثة في 12 يناير 2015، ورابعة 14 فبراير 2015 ،ومثلها في 18 أغسطس 2015 حين وقع عن حكومة سلفاكير، أمين عام الحزب الحاكم باقان أموم، ورفضها الرئيس سلفاكير من طرفه.

ومع استمرار الحرب الأهلية في جنوب السودان، (الدولة الأحدث على خارطة العالم)، وكذلك استمرار حالة النزوح الجماعي للسكان الذين صوتوا على استقلال بلادهم عن شمال السودان، يبدو جليَاً أن آمال الأغلبية الساحقة منهم، بدأت تتلاشى، فالحرب لم تضع أوزارها، ونزيف الدم استمر في التدفق شلالات، وحالة اللجوء إلى دول الجوار لم تتوقف، والاقتصاد القائم على تصدير النفط يكادُ ينهار بتوقف العديد من آبار البترول عن التدفق، فضلًا عن استشراء ظاهرة الفساد التي يلقي كل طرف من المتصارعين بمسؤوليتها على الطرف الآخر، فعائدات النفط التي كان يبني عليها المواطن الجنوبي آمالاً كبيرة لتنتشله من حالة الفقر، ولبناء دولة مؤسسة على قواعد صلبة من أعمدة السلام والرفاهية، كلها باتت في "مهب الريح"، حيث لم تُجدِ كل المحاولات الدولية والإقليمية في إطفاء نيران الفتنة والحرب بين حلفاء الأمس، أعداء اليوم.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com