مع تعاظم الأزمة.. علامات الاستفهام حول مفوضية اللاجئين
مع تعاظم الأزمة.. علامات الاستفهام حول مفوضية اللاجئينمع تعاظم الأزمة.. علامات الاستفهام حول مفوضية اللاجئين

مع تعاظم الأزمة.. علامات الاستفهام حول مفوضية اللاجئين

جنيف - استطاعت صورة واحدة لطفل غريق جرفت الأمواج جثته على شاطئ تركي أن تحقق ما لم تستطع تحقيقه وكالة تابعة للأمم المتحدة يعمل بها 9300 موظف وتبلغ ميزانيتها أربعة مليارات دولار.

وتمثل هذا الإنجاز في التخفيف من حدة الآراء الأوروبية في أزمة اللاجئين.

وسلم انطونيو جوتيريس رئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بهذا الأمر في الرابع من سبتمبر/ أيلول عندما وصف تحولا جوهريا في المواقف الأوروبية مكنه من الضغط من أجل إعادة توطين مئات الآلاف من اللاجئين في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي.

وقال جوتيريس للصحفيين "بفضل وسائل الاعلام يجري حشد الرأي العام بطريقة أقول إنها فريدة في العصور الحديثة تضامنا مع الضحايا".

لكن جوتيريس واجه حتى وهو يرحب بهذا التحول انتقادات أنه لم يبذل هو ووكالته جهدا كافيا لمعالجة الأزمة. وقال منتقدون من بينهم موظفون سابقون في المفوضية وخبراء في السياسات الإنسانية إنه كان يجب أن تكون الوكالة أكثر جرأة في فتح الأبواب في أوروبا مثلما فعلت في الأزمات السابقة مثل الخروج من المجر عام 1956 ومحنة ركاب القوارب الفيتناميين في السبعينات والثمانينات.

وقالت كارين كونينج أبوزيد عضو لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في حقوق الانسان في سوريا ورئيسة هيئة العاملين مع ساداكو أوجاتا عندما كانت تدير المفوضية في التسعينات "إذا أمكن إنجاز ذلك في الماضي فمن الممكن إنجازه للسوريين".

وتعتقد سيلفانا فوا التي استعانت بها أوجاتا عام 1991 لاصلاح صورة المفوضية أن جوتيريس شديد الضعف في مواقفه.

وقالت فوا التي عملت أيضا متحدثة باسم الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي في التسعينات إن الحكومات استهانت بالأمم المتحدة.

وأضافت أن رؤساء وكالات الأمم المتحدة الذين يتمتعون بتاريخ مهني حافل يفضلون "نشر مقاطع فيديو مشجعة عن أحوال لاجئين أفراد بعينهم" بدلا من انتقاد الحكومات.

وتابعت "يريدون وظيفة أخرى في الامم المتحدة... ولن يحصلوا عليها إذا أثاروا استياء الحكومات. عليكم أن تبدأوا بجعل الحكومات تشعر بالعار. بهذه الطريقة تنجز الأمور".

ورفضت المفوضية الانتقادات التي وجهت لدورها في الأزمة الاوروبية وقالت إن جوتيريس يضغط على الحكومات الاوروبية منذ سنوات لقبول المزيد من اللاجئين.

وقالت ميليسا فليمنج كبيرة المتحدثين باسم المفوضية "بصراحة نحن طرحنا اقتراحات مماثلة جدا خلال العامين أو الثلاثة أعوام الأخيرة. فنحن ننادي على الدوام بإمكانيات استقبال وتسجيل قوية في هذه الدول".

ما تظهره الأزمة الاوروبية

في ظل رئاسة جوتيريس - الذي شغل من قبل منصب رئيس وزراء البرتغال وأصبح رئيسا للمفوضية عام 2005 - ترعى الوكالة ما يقرب من 20 مليون لاجيء على مستوى العالم وتتحدث باسم 40 مليون نازح داخل بلادهم. ومن بين هؤلاء أربعة ملايين سوري مسجلين الان في الأردن ولبنان وتركيا والعراق و7.6 مليون نازح داخل سوريا.

ورغم اتجاه لزيادة التبرعات الحكومية فإن كل الأعمال الانسانية التي تديرها الأمم المتحدة تظل في احتياج للمزيد من المال بسبب سلسلة من الأزمات في السنوات الاخيرة ولأن 5.8 مليار دولار جمعتها المفوضية لتغطية احتياجاتها في سوريا لا تكاد تكفي.

وقال بعض العالمين ببواطن الأمور في الأمم المتحدة والمنتقدين إن المفوضية تغيرت مع تغير الزمن فأصبحت تطلب ملاجيء للاجئين من شركة أيكيا للاثاث على سبيل المثال لكنها فقدت بعض نفوذها السياسي.

وقال ألكسندر بتس أستاذ دراسات اللجوء والهجرة الإجبارية بجامعة أكسفورد إنه رغم أن المفوضية عينت محامين وخبراء في الشؤون الانسانية فقد فشلت في تطوير وسائل مبتكرة جديدة ومتعددة للتوصل إلى حلول سياسية.

وقال تقرير بتاريخ مارس آذار 2015 أعده ذراع المراجعة الداخلية التابع للأمم المتحدة إن المفوضية يعوقها تركيزها على "نموذج الاستجابة للحالات الطارئة" وإنها تخفق في حمل الحكومات على إدراك مزايا دمج اللاجئين في اقتصادها وهو الخيار الوحيد في الأجل الطويل للاجئين الذين لم تتم إعادة توطينهم أو لم يعودوا لبلادهم.

وقالت نورا نيلاند المسؤولة السابقة في مجال حقوق الانسان بالأمم المتحدة وأحد مؤلفي دراسة حديثة عن الحماية الانسانية للأمم المتحدة إن المفوضية لا تتمتع بقدر يذكر من التفكير المستقبلي وإن الأزمة الأوروبية أبرزت ذلك.

لكن وليام سبيندلر المتحدث باسم المفوضية قال إن الأزمة نتجت عن "الطريقة الفوضوية التي ردت بها أوروبا" لا عن عدم توقع أعداد اللاجئين.

وقال "ليس من شأننا التنبؤ بالأحداث"

وقالت المفوضية الأسبوع الماضي إنها تعتقد أن 400 ألف لاجيء سيعبرون البحر المتوسط هذا العام - وهو رقم تجاوزته بالفعل أعداد اللاجئين منذ بداية العام - بالاضافة إلى 450 ألفا في العام المقبل. وترفض المفوضية التحذير من تدفق أعداد أكبر إلى أوروبا.

وقال سبيندلر "ما يمكن أن يفضي إليه ذلك هو الذعر والخوف من أن يكون الملايين قادمين. ونحن لا نعتقد أن ملايين الناس قادمون."

لكن الرئيس الاقليمي لوكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة قال إن من المعقول التفكير في إمكانية قدوم الملايين.

وقال بيتر سلامة مدير الشرق الأوسط بصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف) "بالتأكيد من المعقول أن يخرج ملايين وملايين آخرين من اللاجئين من سوريا إلى الدول المجاورة ومنها إلى أوروبا وما وراءها."

فشل ذريع

وقد يكون من الأسباب التي أدت إلى عدم اتخاذ إجراءات جريئة سريعة في سوريا الاعتقاد أن الصراع لن يطول. وقال جويل كارني نائب الرئيس للسياسات الانسانية في انتر أكشن وهو ائتلاف يضم منظمات الإغاثة والتنمية التي تعمل انطلاقا من الولايات المتحدة إن الثقة في مساعي السلام التي بذلها الأمين العام السابق للامم المتحدة كوفي عنان كانت مفرطة.

وأضاف "حتى منتصف عام 2012 كان هناك إحساس بأن العقل سيسود" في سوريا.

ويقول أحمد فوزي المتحدث باسم الأمم المتحدة إنه لا أحد في عام 2015 يجلس مكتوف الأيدي.

ويضيف فوزي أن ستافان دي ميستورا الذي خلف عنان كمبعوث للأمم المتحدة في سوريا "يؤكد لكل الدول الأعضاء مدى أهمية اتحادها وتعاونها في ايجاد طريق للخروج من هذه الفوضى".

وقال بتس الأستاذ بجامعة أكسفورد إنه كان من الواجب رغم ذلك أن تبذل مفوضية اللاجئين جهدا أكبر لتحويل الأزمة إلى فرصة للتنمية.

وأضاف أن منطقة اقتصادية خاصة تقع على بعد 15 دقيقة فقط من مخيم الزعتري الشاسع للاجئين في الأردن وتعمل بعشرة في المئة فقط من طاقتها ويمكن استخدامها "كحضانة للاعمال السورية التي لم يعد بإمكانها العمل في سوريا".

وتابع أنه إذا تم مثل هذا المشروع على الوجه الأمثل فسيفيد الأردن واللاجئين الذين يمكن أن يتلقوا التدريب.

وقد جربت المفوضية مثل هذه المشاريع في لبنان لكنها واجهت صعوبات في الفوز بالدعم المالي الذي تحتاج إليه من المؤسسات الأخرى مثل البنك الدولي. وقال تقييم مستقل لمدى استجابة المفوضية لطوفان اللاجئين في الأردن ولبنان نشر في يناير كانون الثاني الماضي إن مثل هذه الأفكار لم تنجح حتى الآن.

وقال مسؤول كبير سابق بالمفوضية "تحدثنا عن الإصلاح الانساني منذ 2005. وفشلنا فشلا ذريعا في تقريب المؤسسات المالية من النظام الانساني".

ورفضت المفوضية ما وجه إليها من انتقادات وقالت إن البنك الدولي كان طرفا في أوائل الحرب الأهلية رغم أن مشاركته كانت مقيدة لأن الدول المعنية لم تكن مؤهلة للحصول على قروض ميسرة.

وقالت اريان رومري المتحدثة باسم المفوضية إن جوتيريس كان "نشطا جدا" في المطالبة بتعديلات لمعايير الاقراض في البنك الدولي.

 من المسؤول؟

وقال آخرون إنه كان من الواجب أن يكون جوتيريس أعلى صوتا في العمل لصالح المتبرعين ولصالح سوريا. ففي السابق كان جوتيريس يتردد كثيرا على دمشق لرعاية مصالح اللاجئين العراقيين لكنه لم يزر سوريا منذ تفجرت الحرب قبل أكثر من أربع سنوات.

وقال زميل سابق إنه لو كانت أوجاتا - التي تولت رئاسة المفوضية خلال فترة تفكك يوغوسلافيا - في المنصب حاليا لزارت سوريا مرة كل ستة أسابيع وإنها لم تكن لتتوانى عن انتقاد الحكومات بعبارات قاسية.

وكانت أعلى الاصوات انتقادا للامم المتحدة فاليري آموس التي قالت في العام الماضي عندما كانت منسقة المساعدات الانسانية إن الحكومة السورية والمعارضة ارتكبا "انتهاكات صارخة للقوانين الانسانية".

وقال المسؤول الكبير السابق بالمفوضية "في وقت من الأوقات توقفوا عن منحها تأشيرات. وربما كان هذا هو السبب في سكوت الآخرين. فقد كانوا جميعا قلقين على علاقتهم بدمشق وقدرتهم على العمل."

لكن بيتر ساذرلاند ممثل الأمم المتحدة الخاص للهجرة والتنمية قال إن توجيه الانتقادات للمفوضية يظلمها.

وقال "أعتقد أن المفوضية بذلت جهدا كبيرا".

وأضاف "عليك أن تلوم الساسة. فلديهم أرقام الأعداد التي ماتت خلال السنوات العشر الأخيرة في البحر المتوسط. يجب ألا يكونوا بحاجة لصورة كي تحركهم".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com