فورين بوليسي: تنظيم داعش ينبعث من جديد في موزمبيق
فورين بوليسي: تنظيم داعش ينبعث من جديد في موزمبيقفورين بوليسي: تنظيم داعش ينبعث من جديد في موزمبيق

فورين بوليسي: تنظيم داعش ينبعث من جديد في موزمبيق

كشفت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، في تقرير لها، أنه في الوقت الذي يعتقد البعض أن تنظيم داعش مات، يقوم التنظيم بتأسيس موطئ قدم له في جنوب أفريقيا، ويستنزف ثمنا باهظا من الأرواح وسبل العيش على طول الطريق.

ويقول التقرير إنه في أبريل، انسحبت شركة النفط الفرنسية العملاقة "توتال انرجيز" من موزمبيق، معلنة وجود قوة قاهرة تجبرها على التخلي عن مشروع للغاز الطبيعي المسال بقيمة 20 مليار دولار، وهو أكبر استثمار خاص في أفريقيا.

وسحبت الشركة موظفيها من موقع المشروع في أقصى شمال البلاد في مقاطعة "كابو ديلجادو" بعد أن اجتاح مسلحون تابعون لتنظيم داعش بلدة قريبة في مارس، حيث كانت الخسائر البشرية أكبر بكثير من التكلفة المالية الباهظة، إذ أسفرت أعمال العنف في موزمبيق منذ العام 2017 عن مقتل أكثر من 2500 مدني.

وتزايد عدد النازحين داخليا من 70 ألف شخص في العام 2020 إلى 700 ألف شخص في عام 2021 ومازال مستمرًا في الارتفاع، حيث أصبح الصراع وحشيًا بشكل متزايد، وتشير التقارير إلى وقوع جرائم وحشية مثل قطع الرؤوس والاغتصاب.

وتعتبر هذه المشاهد انعكاسا حادا في مسار بلد كان يأمل أن تكون سنوات الصراع قد ولت، حيث وقعت حكومة موزمبيق اتفاق سلام مع المتمردين في العام 2019، في أحدث محاولة لها لوقف العنف المتقطع الذي استمر منذ نهاية الحرب الأهلية في البلاد في العام 1992.

وفي حين يراهن الحزب الحاكم بقدر كبير على الغاز الطبيعي باعتباره تذكرة موزمبيق للازدهار، إلا أن معظم قدرتها على إنتاج الغاز الطبيعي أصبحت معطلة، بحسب التقرير.

وفي تلك الاثناء، يوسع نزاع "كابو ديلجادو" الفجوة بين جيش موزمبيق وشرطتها، وأصبحت خطط التدخل الإقليمي غارقة في المنافسة.



كيف وصلت موزمبيق إلى ذلك؟

تعود أصول الصراع في العديد من النواحي لمقاطعة "كابو ديلجادو"، ولكن هذا التمرد يكرر أيضًا نمطًا موجودًا في جميع أنحاء أفريقيا حيث تعمل الجماعات السلفية الجهادية مثل تنظيم "القاعدة" و"داعش" وغيرهم على تحويل الصراعات المحلية إلى منصات انطلاق لحركة عالمية.

فتمرد "كابو ديلجادو" متجذر في الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحلية، ويُعد شمال موزمبيق موطنًا لكثير من الأقلية المسلمة في البلاد، والتي لطالما تم تهميشها من السلطة السياسية الوطنية، كما تغذي الانقسامات العرقية واللغوية ديناميكية الإقصاء السياسي.

وأدى الفساد المستشري وسلسلة الاضطرابات الاقتصادية الطبيعية والمصطنعة إلى زيادة التوترات الاجتماعية، حيث كانت إحدى النتائج صراعًا بين الأجيال والأيديولوجية داخل المجتمع المسلم في شمال موزمبيق، مما أدى إلى ظهور الحركة الدينية التي تطورت إلى تمرد متطرف اليوم، حسب التقرير.

إلا أن الأسباب المحلية وحدها لا تفسر تطور التمرد، فقد أدت التأثيرات الخارجية، بما في ذلك التعليم الوهابي الممول من الخارج، إلى تأجيج الخلاف الديني والاستياء الاقتصادي بين الشباب.

وقد تم بالفعل تبني العديد من المقاتلين المحليين في شبكات سلفية متشددة موجودة مسبقًا في شرق أفريقيا، والتي أرسلت أعضاء موزمبيقيين إلى دول أخرى للتدريب، كما أدى تزايد الاستثمار الخارجي في "كابو ديلجادو" إلى تهيئة الظروف للاضطرابات حيث لم تتم تلبية التوقعات العالية للمجتمعات المحلية فيما يتعلق بالدخل والوظائف.



الحرب بين الحركة الدينية والأمن

وفي العام 2017، تصاعد العنف بين الحركة الدينية وقوات الأمن ليتحول إلى تمرد كامل، مما يعكس التاريخ المبكر لحركة "بوكو حرام" في نيجيريا، وقام المتمردون بسرعة بتحسين قدراتهم القتالية، لا سيما في العام 2020.

ويتبع هذا التطور السريع نمطًا من حركات التمرد الجديدة التي أصبحت أكثر فتكًا بسرعة أعلى من حركات التمرد السابقة، وعندما رأى تنظيم "داعش" فرصة للتخفيف من خسائره في أماكن أخرى، أقام علاقة رسمية مع جماعة موزمبيق في العام 2019.

ومنذ ذلك الحين ظهر التنظيم جنبًا إلى جنب مع فروعه الأفريقية الأخرى في الدعاية، كما مد الانضمام إلى "داعش" متمردي "كابو ديلجادو" بفوائد تكتيكية وإستراتيجية، بما في ذلك المعدات والمساعدة في التجنيد والتدريب.

وأدى التمرد لصدمة بين الأجيال في شمال موزمبيق، حيث يتم تجنيد الأطفال قسرا وتلقينهم عقائديا، فالنسيج الاجتماعي آخذ في التآكل، بينما يجهد النازحون المجتمعات المضيفة، بحسب "فورين بوليسي".

وباتت الثقة في الحكومة المتدنية للغاية، وخاصة بعد أن فشلت قوات الأمن في الدفاع عن المدنيين وإجلائهم في بلدة شمالية بعيدة في أواخر مارس، ويضاعف العبء المالي للتمرد سوء الإدارة حيث تدفع الحكومة الفدية لكنها تكافح لتقديم معاشات تقاعدية للمحاربين القدامى.

والتقارير التي تشير إلى طلب قوات الأمن للرشاوى من اللاجئين تقوض شرعية الحكومة بشكل أكبر.



أول موطئ قدم للحركة السلفية في جنوب أفريقيا

وتمتد آثار التمرد إلى ما وراء موزمبيق، حيث تعتبر "كابو ديلجادو" أول موطئ قدم للحركة السلفية الجهادية في جنوب أفريقيا، وعلى الرغم من أن الهجمات ظلت محلية حتى الآن، إلا أن هذا قد يتغير مع استعادة داعش لتماسك شبكته الإرهابية في شرق وجنوب أفريقيا.

وحينها يمكن أن يصبح شمال موزمبيق نقطة انطلاق للهجمات "الإرهابية" على العواصم الإقليمية، واتباع مسار شبكة القاعدة في منطقة الساحل.

وقد يؤدي وجود صراع نشط في موزمبيق في حد ذاته إلى تهديد الاستقرار الإقليمي؛ لأنه يخاطر بتحويل البلاد إلى ساحة للمنافسة الجيوسياسية الضارة على الموارد الطبيعية أو الموقع الإستراتيجي على طول قناة موزمبيق.

وأخيرًا، يعد الوصول إلى الساحل الموزمبيقي أيضًا فرصة محتملة لكسب المال للجهاديين السلفيين، على الرغم من اختلاف المحللين حول ما إذا كان المتمردون متورطين في تهريب المخدرات.

وما يضيف إلى التهديدات الأمنية لموزمبيق، هو التكلفة المستقبلية للصراع، وخسارة عائدات الغاز الطبيعي المتوقعة والتي كان من شأنها مساعدة البلاد على تجنب أزمة ديون، وتبدد الآمال في إنشاء صندوق للثروة السيادية لدفع التنمية الاقتصادية.

وتعد أزمة موزمبيق أحدث وأكبر إضافة إلى التكلفة الاقتصادية المتضخمة للإرهاب في أفريقيا، والتي ارتفعت بأكثر من عشرة أضعاف من 1.54 مليار دولار في العام 2007 إلى 15.5 مليار دولار في العام 2016.

ولا يزال الرد على التمرد في حالة تغير مستمر، حتى مع استعداد المتشددين المرتبطين بتنظيم "داعش" لاستكمال سيطرتهم على مدينة ساحلية رئيسية في أقصى شمال "كابو ديلجادو".

ولاتزال المناقشات جارية بين موزمبيق وزملائها الأعضاء في مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي، لكن الخلافات حول طبيعة وتكوين الدعم العسكري لموزمبيق أخرت عملية اتخاذ القرار.

وبدأت الولايات المتحدة والبرتغال برامج تدريب عسكرية صغيرة، وأبدت فرنسا استعدادها للمساعدة.

ويجب على شركاء موزمبيق المحتملين إعطاء الأولوية لتطوير جمع المعلومات الاستخبارية وتشارك القدرات.



ضعف المعلومات في صراع "كابو ديلجادو"

ويتميز صراع "كابو ديلجادو" بضعف المعلومات، بما في ذلك حول قيادة المجموعة وتكوينها، على الرغم من أن المعلومات الاستخباراتية مكون أساسي لأي رد فعال سواء كان عسكريا أو غير عسكري.

وتقول "فورين بوليسي" إنه يجب على شركاء موزمبيق أيضًا التفكير في دعم تطوير برنامج الانشقاق والعفو الذي يسمح للمجندين الإجباريين، بمن فيهم الأطفال، بمغادرة المجموعة.

وتعتبر القوة العسكرية ضرورية ولكنها ليست كافية لهزيمة التمرد السلفي الجهادي في موزمبيق، حيث يجب أن يصاحب استعادة الأراضي إدارة أفضل.

فوضع السياسات الصحيحة في موزمبيق يمكن أن يشكل سابقة جديدة وأفضل لمحاربة التمرد السلفي الجهادي في أفريقيا بشكل عام، فغالبًا ما يتجاهل صانعو السياسات الضرر الذي يلحقه التمرد السلفي الجهادي بمستقبل القارة.

فمن المفترض أن تكون منطقة أفريقيا جنوب الصحراء محركًا للنمو العالمي، حيث ستكون المنطقة موطنًا لأكثر من ملياري شخص، نصفهم تحت سن الـ 25 بحلول عام 2050، ومع ذلك تتأرجح العديد من البلدان الأفريقية، بما في ذلك موزمبيق، بين مستقبلين: أحدهما يتضمن تقدم هائل والآخر استنزاف الموارد والإرهاب.

ولا تعتبر هذه المشكلة محصورة على موزمبيق أو أفريقيا فقط، حيث ستتشارك الولايات المتحدة وحلفاؤها فوائد نهوض أفريقيا أو يعانون من ركودها إذا حدث، فالمشاكل الأمنية في القارة لن تبقى هناك، حيث تخطط الجماعات السلفية الجهادية الأفريقية للهجمات الخارجية أو تدعمها بالفعل، وهي تزداد فتكًا عامًا بعد عام؛ ومن المؤكد أن تدفقات اللاجئين التي يتسببون فيها ستؤثر على أوروبا.

ولذلك يتعين على صانعي السياسة في الولايات المتحدة الذين يدعون أنهم يهتمون بازدهار أفريقيا أن يواجهوا المشكلة ويتعاملوا معها.

وفي حين يشكل إنهاء التمردات السلفية الجهادية ومنع عودتها وانتشارها تحديا سياسيا خطيرا على المجتمع الدولي والدول الأفريقية على حد سواء، إلا أنه من الضروري مواجهة هذه التحديات بمشاركة دبلوماسية أكثر استدامة، وبدعم اقتصادي موجه، والأهم من ذلك إستراتيجية تقلل من الفرص التي يستغلها الإرهابيون، فمستقبل الموزمبيقيين وملايين الأفارقة على المحك.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com