زعيمة ميانمار من الإقامة الجبرية إلى الانقلاب.. الجيش يطيح مجددا بـ"عدوه اللدود"
زعيمة ميانمار من الإقامة الجبرية إلى الانقلاب.. الجيش يطيح مجددا بـ"عدوه اللدود"زعيمة ميانمار من الإقامة الجبرية إلى الانقلاب.. الجيش يطيح مجددا بـ"عدوه اللدود"

زعيمة ميانمار من الإقامة الجبرية إلى الانقلاب.. الجيش يطيح مجددا بـ"عدوه اللدود"

انقطاع الاتصالات، إغلاق البنوك، دوريات الجيش تجوب شوارع بانغون أكبر مدن ميانمار، التلفاز قنواته معطلة باستثناء واحدة مملوكة للجيش فقط.. هكذا استيقطت البلاد على وقع انقلاب عسكري على الزعيمة المدنية أونغ سان سو تشي.

حدث مفاجئ.. جيش ميانمار يطيح بالتحول الديمقراطي الهش في البلاد، ويرسل "عدوه اللدود" أونغ سان سو تشي، إلى السجن مرة أخرى، ما أغرق الدولة الواقعة في جنوب آسيا في حالة من عدم اليقين.

العديد من القادة الآخرين، بمن في ذلك الرئيس وين مينت، باتوا -أيضا- وراء القضبان، بعد أسابيع على التوترات مع الجيش بشأن مزاعم بحصول تلاعب بالأصوات خلال الانتخابات.



وعلى مدى الفترة الماضية، ندد الجيش مرارا وتكرارا بـ"المخالفات" في الانتخابات التشريعية التي جرت في الـ 8 من نوفمبر، والتي جرت في خضم وباء فيروس كورونا المستجد. وقال المتحدث باسم الجيش الميجر جنرال زاو مين تون، في مؤتمر صحفي، الأسبوع الماضي، إن الانتخابات "لم تكن حرة ولا نزيهة".

واتهم الجيش في بيان أصدره عقب تنفيذ الانقلاب، اللجنة الانتخابية، بـ"عدم معالجة المخالفات الهائلة التي حدثت"، خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في تشرين الثاني/ نوفمبر، وفاز بها حزب أونغ سان سو تشي، بغالبية ساحقة.

وكانت تلك الانتخابات هي التصويت الديمقراطي الثاني فقط منذ خروج البلاد، في 2011، من 50 عاما من الحكم العسكري الانعزالي.

زعيمة ميانمار سو تشي، لم يتأخر ردها كثيرا، لتحث الشعب على عدم القبول بهذا الانقلاب العسكري، وفق ما جاء في رسالة نشرها حزبها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وشرح رئيس حزبها "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" وين هتين في منشور على موقع فيسبوك، أن الزعيمة البورمية "تركت هذه الرسالة للشعب" بعد أن كانت الشائعات حول الانقلاب تنتشر في البلاد في الأيام الأخيرة.



الجيش يطيح بعدوه اللدود

سو تشي، هي ابنة بطل الاستقلال أونغ سان، الذي اغتيل عام 1947 وهي ابنة عامين.

وقد قضت معظم سنوات الطفولة والشباب في الخارج. ودرست في جامعة أكسفورد والتقت بزوجها الأكاديمي البريطاني مايكل أريس وأنجبت ولدين.

وقَبل زواجهما طلبت سو تشي من أريس أن يعدها ألا يحاول منعها إذا احتاجت للعودة إلى بلادها. وفي 1988 جاءتها المكالمة الهاتفية التي غيرت حياتهما. فقد كانت والدتها تحتضر.

وفي العاصمة يانغون، التي كان اسمها رانغون آنذاك، ذابت في ثورة قادها الطلبة ضد المجلس العسكري الذي استولى على السلطة عقب وفاة والدها ودفع بالبلاد إلى عزلة مدمرة.

وأصبحت سو تشي، التي تشبه ملامحها ملامح والدها أونغ سان "معبودة الجماهير" بدرجة مذهلة، زعيمة لحركة جديدة أصبح حلم والدها "بناء بورما حرة" من شعاراتها.



وسحق الجيش الثورة، وكان القتل أو السجن مصير قادتها وأصبحت سو تشي سجينة في بيت أسرتها المطل على بحيرة.

وكان مجرد النطق باسمها علي الملأ يجلب على أنصارها حكما بالسجن ولذا أطلقوا عليها اسم "السيدة".

لعبت سو تشي التي اشتهرت بنبرة حديثها الهادئة دورا حاسما في تسليط اهتمام العالم على المجلس العسكري الحاكم في ميانمار وسجله في حقوق الإنسان وفازت بجائزة نوبل للسلام عام 1991.

وتوفي أريس عام 1997 لكنها لم تحضر جنازته خشية ألا يُسمح لها بالعودة لبلادها.

وعلى مدى سنوات شن الجيش حملة لا هوادة فيها لتشويه صورة سو تشي ووصفها بأنها "مقبض بلطة الغرب".

بداية التحرر

وخلال فترة قصيرة تحررت فيها من الإقامة الجبرية خلال 1998 حاولت السفر خارج يانغون لزيارة أنصارها ومنعها الجيش.

وجلست داخل سيارتها الفان على مدى عدة أيام وليال رغم ما نالها من شعور بالجفاف في ظل الحر القائظ وقيل إنها سعت لجمع ماء المطر في مظلة مفتوحة.

ونجت سو تشي من محاولة اغتيال عام 2003 عندما اعتدت مجموعة من مؤيدي الجيش يلوحون بالأسياخ والعصي على قافلة كانت مسافرة فيها. وتعرض عدد من أنصارها للقتل وأصيب غيرهم بإصابات بالغة.

وفرض عليها الجيش بعد ذلك الإقامة الجبرية من جديد وأصبحت تلقي من خلف الأبواب خطبا أسبوعية على أنصارها وهي تقف على طاولة متداعية تتحدث عن حقوق الإنسان والديمقراطية تحت أعين رجال الشرطة السرية.

في 2010 بدأ الجيش سلسلة من الإصلاحات الديمقراطية وتم الإفراج عن سو تشي في حضور آلاف من أنصارها بين دموع البعض وتهليل البعض الآخر.

وفي الغرب قوبلت سو تشي بالحفاوة والتكريم. وأصبح باراك أوباما أول رئيس أمريكي يزور ميانمار عام 2012 ووصفها بأنها "مصدر إلهام للناس في مختلف أنحاء العالم بمن فيهم أنا نفسي".

وخففت واشنطن العقوبات الاقتصادية الأمريكية على ميانمار لكن سو تشي ظلت تتوخى الحذر فيما يتعلق بمدى الإصلاحات.

وبالفوز الذي حققته سو تشي في انتخابات 2015 أصبحت رئيسة مجلس الدولة وتعهدت بإنهاء الحرب الأهلية ودعم الاستثمار الأجنبي وتقليص دور الجيش في الحياة السياسية.

كما وعدت الحلفاء الغربيين بأنها ستعمل على حل محنة الروهينغا الذين تحملوا العبء الأكبر من الاشتباكات العنيفة مع البوذيين وتم اعتقال مئات الآلاف منهم في معسكرات احتجاز.

أزمة الروهينغا

وتضررت سمعة سو تشي الدولية، في السنوات الأخيرة بسبب "صمتها" عن عمليات الإبادة الجماعية ضد مسلمي الروهينغا في ميانمار، لكنها نددت في عام 2017 بـ"كل انتهاكات حقوق الإنسان" لكن دون أن تأتي على ذكر الجيش.

وفي آب/ أغسطس 2017، هاجم مسلحون من الروهينغا قوات الأمن ورد الجيش بحرق مئات القرى وارتكب جرائم قتل واغتصاب جماعية. ووصفت الأمم المتحدة ما حدث بأنه تم "بنية الإبادة الجماعية".

وقالت سو تشي، إن الجيش يعمل على فرض "سيادة القانون" وبدا أنها مرتبكة وجاهلة بحجم حركة النزوح التي شهدتها البلاد.



ورغم أنها لم تكن تملك السلطة لتوجيه عمليات الجيش فقد أصدرت الحكومة أوامر بأن تتحول الأراضي المحروقة إلى أرض مملوكة للحكومة، وأشرفت على هدم القرى المدمرة.

ونددت بها على الملأ مؤسسات عالمية ومؤيدون سابقون من بينهم الدالاي لاما وأُلغِي العديد من الأوسمة الكثيرة التي نالتها.

وفي 2019 طارت سو تشي إلى لاهاي للرد على اتهامات بارتكاب إبادة جماعية في محكمة العدل الدولية.

واعترفت باحتمال ارتكاب جرائم حرب لكنها صورت الحملة التي شنها الجيش على أنها "عملية عسكرية مشروعة تستهدف إرهابيين".



أيقونة الديمقراطية تفقد بريقها

وتقول صحيفة "لوفيغارو": "الآن، فقدت أيقونة الديمقراطية بريقها مع الغرب".

وتضيف الصحيفة الفرنسية، أن هذا الانقلاب "يمثل حلقة وحشية جديدة في شد الحبل السياسي القاسي بين المجلس العسكري والزعيمة سو تشي".

وتتابع: "مرة أخرى، يلقي الجيش بالزعيمة العنيدة خلف القضبان، بعد أن أمضت بالفعل سنوات طويلة في الإقامة الجبرية، متحدية السيطرة الاستبدادية لتاتماداو عندما كانت زعيمة للمعارضة".

صلاحيات كاملة

يقدم هذا الانقلاب صلاحيات كاملة لقائد الجيش الجنرال مين أونج هلاينغ، الذي كان من المقرر أن يتقاعد في الأشهر المقبلة، بحسب "لوفيغارو".

وتقول الصحيفة: "وجه الجنرال الذي دبر القمع المستمر ضد سكان الروهينغا المسلمين في ولاية راخين، ضربة استبدادية لواحد من البلدان القليلة في جنوب شرق آسيا التي تحولت إلى الديمقراطية في السنوات الأخيرة؛ ما يشكل خطرا لاندلاع مواجهة جديدة مع الشباب الباحثين عن التنمية الاقتصادية والذين ما زالوا يحبون الزعيمة سو تشي".

والجنرال هلاينغ، يخضع لعقوبات أمريكية منذ ديسمبر 2019، بسبب ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان تتعلق بالفظائع التي ارتكبت ضد الروهينغا، بحسب شبكة "سي أن أن" الأمريكية.



لغر

وتقول "سي إن إن"، إن الانقلاب فاجأ العديد من المراقبين، الذين أشاروا إلى أن الجيش يمتلك بالفعل قوة كبيرة.

وبحسب الشبكة الأمريكية، في عام 2008، صاغ المجلس العسكري الحاكم دستورا خصص 25% من المقاعد التشريعية للجيش، بالإضافة إلى السيطرة على الوزارات الرئيسة مثل: الدفاع، والشؤون الداخلية، وسلطة الفيتو على القضايا الدستورية.

وقال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في ميانمار، توم أندروز، لـ"سي إن إن"، إن الانقلاب "لغز حقيقي".

وأضاف: "لقد كتبوا الدستور الذي أطاحوا به للتو. إنه يمنحهم قوة هائلة، وقوة اقتصادية، وسلطة سياسية.. كيف ولماذا ينقلبون على دستورهم، إنه أمر لا يصدق!".

مستقبل مختلف

وقال المؤرخ والمؤلف البارز في ميانمار، ثانت مينت يو، على موقع تويتر، يوم الإثنين: "فتحت الأبواب للتو (عقب الانقلاب) على مستقبل مختلف تماما".

وأضاف: "لدي شعور جارف بأن لا أحد سيكون قادرا حقا على السيطرة على ما سيأتي بعد ذلك، مع انقسامات عميقة عبر الخطوط العرقية والدينية، حيث بالكاد يستطيع الملايين إطعام أنفسهم"، بحسب ما نقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية.



وتعهد جيش ميانمار، يوم الإثنين، بإجراء انتخابات جديدة ما إن تنتهي حالة الطوارئ التي أعلنها لمدة عام بعد تنفيذه الانقلاب.

وقال العسكريون في بيان نُشر على صفحتهم على موقع فيسبوك: "سنقيم ديمقراطية حقيقية متعددة الأحزاب"، مضيفين أنه سيُجرى انتقال للسلطة بعد تنظيم "انتخابات عامة حرة وعادلة".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com